ولذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) كثيراً ما يشيد بمقامه، وأنه أفضل الأنبياء وأفضل الخلق، لأنه أول من أقر لله عز وجل (١) وغير ذلك. لكنه كثيراً ما يقول أيضاً: ((ولا فخر)) (2). يريد بذلك أن ينبه على أن ذكره لهذه الأمور لأنها حقائق دينية عليه بيانه لها بمقتضى وظيفته كنبي مرسل، من دون فخر وتبجح، ليبقى محافظاً على تواضعه لله عز وجل الذي هو مقتضى عبوديته.
وعليه كان عمله في مجلسه ومعاشرته مع الناس وفي مأكله ومشربه وملبسه، كما تقدم، ويأتي بعض مفردات ذلك.
وعلى ذلك يجري حديث الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام): ((قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً ...)) (٢).
وقريب من ذلك حديث هارون بن الفضل: ((رأيت أبا الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر (عليه السلام). فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. مضى أبو جعفر (عليه السلام). فقيل له: وكيف عرفت؟ قال: لأنه تداخلني ذلة لله لم أكن أعرفها (۳).
ومرجع الجميع إلى أن الله عز وجل إذا منح الإنسان كرامة ـ من نبوة أو إمامة أو غيرها - فمن شأنها أن تزيد في خضوعه له وذله بين يديه وشكره له تعالى بتواضعه وطاعته له. ولا يتبجح ويستكبر عن طاعته، كما صدر من إبليس، فتحل عليه لعنة الله تعالى وطرده له عن ساحة رحمته. كما أن عليه أن يتواضع شكراً لله عز وجل إذا تفضل عليه بنعمه الدنيوية من صحة أو مال أو جاه أو غيرها، شكراً لتلك النعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) المصنف لابن أبي شيبة ج: ٧ ص: ٤٠٩ كتاب الفضائل: باب ما أعطى الله تعالى محمد (صلى الله عليه وآله)، ج:۸ ص: ۳۳۸ كتاب الأوائل : باب أول ما فعل ومن فعله مسند أحمد بن حنبل ج: ١ ص: ٥، ٢٨١، ٢٩٥، ج : ٣ ص : ٢، ١٤٤، ج : ٥ ص : ١٣٧، مسند الدارمي ج : ١ ص: ١٩٥ باب ما أعطي النبي (صلى الله عليه وآله) من الفضل. الغيبة للنعماني ص: ۹۳. الأمالي للصدوق ص: ٢٥٤ المجلس: ٣٥ حديث: ١.
وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.
(۲) عيون أخبار الرضا ج: ۲ ص: ۲۱۷ باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام)
(۳) الكافي ج: ۱ ص: ۳۸۱ كتاب الحجة: باب في أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه حديث: ٥، واللفظ له. بصائر الدرجات ص: ٤٨٧ باب ۲۱ حديث: ٣، ٥. وأبو الحسن هنا هو الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام). وأبو جعفر هو الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام).
خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)، ص389، 390
آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدس سره)