والمظنون أن اهتمام بعض الشيعة بالبيعة من أجل تأكيد دلالة الحديث الشريف على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونصبه علماً بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للمسلمين، ليتولى الأمر من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم). ويكون خليفة عليهم وإماماً لهم.
هذا الأمر الذي حاول كثير من المخالفين بل عامتهم التشكيك فيه، بعد أن تعذر عليهم - إلا من شذّ - الطعن في سند الحديث، لشهرته واستفاضة طرقه، وزيادتها على حدّ التواتر. فادعوا إجمال لفظ المولى، لتردده بين معاني كثيرة - كالمحب، والناصر، وابن العم، وغير ذلك - وعدم اختصاصه بمعنى واحد، وهو الأولى بالأمر.
ومن أجل ذلك يؤكد بعض الشيعة على البيعة، ليسوقها قرينة على أن المراد بالمولى هو الأولى، لأن ذلك هو المناسب للبيعة، دون بقية المعاني المذكورة.
وهو وإن كان أمراً جيد، إلا أن الحديث مع من؟ فإن كان مع المتعصب المعاند الذي يتشبث بالطحالب، فهو غير مجد، إذ ما من حقيقة إلا وقد أثيرت حولها شبهات، يتشبث بها المعاندون. والأولى ترك الحديث معهم، لأنه من المراء، الذي ورد النهي عنه، كما تقدم في مقدمة الأسئلة السابقة، بل يوكل أمرهم إلى الله تعالى، حيث لا ينفعهم العناد معه جل شأنه.
وإن كان مع المنصف الذي يريد الوصول للحقيقة ويطلبها كيف كانت، فالأمر أوضح من ذلك. إذ لو تم أن للمولى معاني كثيرة متباينة - وأنها لا ترجع جميعها إلى معنى واحد، وهو الأولى - فيكفي في حمل المولى على الأولى أمران في متن الحديث نفسه.
في رحاب العقيدة، ج ٢، السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، ص ١٩