وللنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وبعض خاصة المسلمين مواقف مثالية في ذلك. نقتصر منها على هذا الحديث الذي يتضمن موقفاً للنبي (صلى الله عليه وآله) لافتاً للنظر حقيقاً بالذكر وإن كان طويلاً لما يتضمنه من نكات متعددة في خُلقه (صلى الله عليه وآله) وسلوكه زائداً على فعل المعروف، حقيقة بالإعجاب، وبأن تدعو المؤمنين للتأسي به (صلى الله عليه وآله) فيها.
ففي صحيح أبان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): ((قال: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وقد بليَ ثوبه ـ فحمل إليه اثني عشر درهماً.
فقال: يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً، قال عليّ (عليه السلام): فجئت إلى السوق فاشتريت قميصاً باثني عشر درهماً، وجئت به إلى رسول الله، فنظر إليه، فقال: يا علي قميص دونه يكفيني (يا علي غير هذا أحب إليّ. خ ل).
أترى صاحبه يقيلنا؟ فقلت: لا أدري فقال: انظر. فجئت إلى صاحبه، فقلت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كره هذا، يريد ثوباً دونه، فأقلنا فيه. فردّ عليّ
الدراهم، وجئت بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصاً. فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكي. فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما شأنك؟ قالت: يا رسول الله إن أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة، فضاعت، فلا أجسر أن أرجع إليهم. فأعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة دراهم، وقال: ارجعي إلى أهلك.
ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم،
ولبسه، وحمد الله، وخرج فرأى رجلاً عرياناً يقول: من كساني كساه الله من ثياب الجنة. فخلع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قميصه الذي اشتراه، وكساه السائل.
ثم رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر، فلبسه وحمد الله ورجع إلى منزله، فإذا بالجارية قاعدة على الطريق.
فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما لك لا تأتين أهلك؟ قالت: يا رسول الله إني قد أبطأت عليهم، وأخاف أن يضربوني، فقال لها رسول الله: مُرّي بين يديّ ودُلّيني على أهلك. فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وقف على باب دارهم.
ثم قال: السلام عليكم يا أهل الدار، فلم يجيبوه. فأعاد السلام، فلم يجيبوه. فأعاد السلام، فقالوا عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. فقال لهم: ما لكم تركتم إجابتي في أول السلام والثاني؟. قالوا: يا رسول الله ، سمعنا سلامك فأحببنا أن نستكثر منه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها. فقالوا: يا رسول الله هي حرّة لممشاك. فقال رسول الله: الحمد لله. ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه. كسا الله بها عريانين، وأعتق بها نسمة)) (١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أمالي الشيخ الصدوق ص:309 ـ 311 المجلس: 42 حديث: 5.
خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)، ص423 ـ ص425
آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدس سره)