نعم لا يبعد أن يراد بالبيعة إعلان الاستجابة والإذعان، من قبل من شهد الخطبة، بما تضمنته من فرض ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما يشير إليه الحديث السابق. إذ كثيراً ما يراد بالبيعة ذلك. لما هو المعلوم من سيرة المسلمين في جميع العصور من أن بيعة عموم الناس للخليفة الجديد إنما تكون بتسليمهم بخلافته، وانقيادهم له. ولا يمسح على يده إلا القليل من ذوي المكانة، لإعلان إقرارهم.
ومن الظاهر حصول هذا الأمر في واقعة الغدير. لأنه الأمر الطبيعي ممن حضر من المسلمين خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإعلانه ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام). ولو ظهر منهم الردّ له والاعتراض عليه لظهر وبان، ونُقِلَ تاريخياً، كما نقل اعتراض الحارث بن النعمان الفهري الذي ذكرناه في سلسلة أحداث واقعة الغدير وما يتعلق به، في جواب السؤال السابع من الأسئلة السابقة.
كما أنه المناسب لما تقدم في سلسلة الأحداث من تهنئة الحضور لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية. وقد تقدم أن الشيخ الأميني (قدس سره) أنهى مصادر ذلك من طريق الجمهور إلى ستين.
ولا سيما مع ما تضمنته بعض طرقها من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) في خيمة، وأمر المسلمين بالدخول عليه وتهنئته (1)
إذ من المعلوم رجوع التهنئة بالوجه المذكور للإقرار والتسليم، اللذين تؤديهما البيعة.
والحاصل: أن البيعة بمعنى إعلان الاستجابة والإذعان بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ملازمة عادة لخطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغدير، وتواتر الخطبة يقضي بتواتر البيعة بالمعنى المذكور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغدير في الكتاب والسنة والأدب 1: 271، 271 وما بعده.
في رحاب العقيدة، ج ٢، السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، ص 17، 18