ولكن الصحيح أن هذا الاتجاه خطأ فاحش للغاية، فإن الانطباع السليم والمستقيم عن الهوية الجنسية هو ما وافق الخصائص الجسدية، والانطباع المغاير حالة واهمة وغير مستقيمة وفق جميع المقاييس الوجدانية والعقلائية والعلمية لفرز الحالات المستقيمة والسليمة عن الحالات المرضية وشبهها.
وينطوي ابتناء الهوية الجنسية على الخصائص الجسدية كما هو الهدي الفطري للإنسان حقاً على مزايا كثيرة جداً للإنسان وللمجتمع الإنساني.
وقد يصعب أن يحيط الإنسان بمزايا الوضع الطبيعي الذي يعيش فيه ويعرف قدره بما يليق به ما لم يفقد ذلك، كما نجد أن الإنسان كان يستمتع ولا يزال ذلك إلى حد كبير بمزايا البيئة النقية على الأرض وما حولها إلا أنه لا يقدر هذه المزايا، حتى إذا انتقضت مكونات هذه البيئة وزاد الاحتباس الحراري وازدادت حرارة الأرض واحترقت الغابات العظيمة وزادت السيول من جهة والجفاف من جهة، واختل التوازن السكاني على وجه الأرض، فإنه سوف يكتشف مزايا هذه البيئة، وهكذا الحال في الصحة الجسدية للإنسان فإنه إنما يتبين أهميتها عند طرو الأمراض، فيدل على أن النظم الجسدي الطبيعي يستبطن مئات المزايا الصحية وعناصر السلامة. وإنني أؤكد حقاً أن تبعية الهوية الجنسية للخصائص الجسدية كذلك، فهو نظم طبيعي يتضمن على عدد كبير من المزايا للإنسان ووجوده وديمومته وصحته وقيمه وصلاحه، وإني كلما أتأمل هذا النظم الرائع والمذهل بل العظيم بما ينطوي عليه من الأبعاد والخصائص المتسقة إدراكياً وجسدياً ونفسياً وأخلاقياً وحكمياً فإنني أجد مدى الروعة فيه وأشعر بهول افتقاد البشرية إياه في يوم من الأيام، وإذا سعت البشرية إلى تغيير هذا النظم حتى ساد النظم المصطنع فإنه سوف يتبين حينئذ مئات المزايا التي كانت في هذا النظم في الأبعاد المختلفة والتي فقدها وقد ظهرت طلائع تلك المزايا وعوارض النظم المصطنع بعض الشيء بانتشار الاتجاه الحديث الذي ينقض هذا النظم، ولكن ذاك أوّل الغيث وبداية اللقاح ريثما يستبين أثر هذا الوضع، ولا يسهل حينئذ استعادة الوضع من قبل ولا جدوى عند ذاك في عض الأصابع من الندم، وسوف تهلك البشرية جمعاء إن تبعت بعضها بعضاً، وإن سعى بعضها إلى الحفاظ على النظم الطبيعي سلمت مما يعبث بها، ولكن يصعب ذلك في عالم اليوم الذي أصبح بمثابة قرية صغيرة، إلا مع اهتمام المجتمعات الأخرى باستقلالها ثقافياً عن المجتمعات الغربية التي ابتليت بهذا الأمر الخطير.
سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 2/ ص12، 13
تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني