إلا أنه قد وقعت مشاكسة غريبة لهذين المبدأين أخيراً باسم العلم والبحث العلمي، وطرحت نظرية تضمنت أن الحالة الجسدية لا تمثل إلا بعداً عضوياً محضاً، فهي تمثل ذكورة وأنوثة جسدية فحسب، ولا تمثل الهوية الجنسية النفسية للإنسان بتاتاً، وإنما تكون الهوية الجنسية للإنسان تابعة لانطباعه عن نفسه، فإذا كان الشخص ذكراً من حيث الخصائص الجسدية الكاملة وكان انطباعه عن نفسه أنه أنثى فإنّ هويته الجنسية تكون أنثى، وإذا كان أنثى من حيث الجسد وكان انطباعه عن نفسه أنه ذكر فإن هويته الجنسية تكون أنثى، وإذا كان انطباعه عن نفسه أنه كائن مزدوج الجنس فهو ذكر وأنثى، فإنّ تلك تكون هي هويته الجنسية، كما أنه إذا كان انطباعه عن نفسه أنه محايد جنسياً فهو ليس ذكراً ولا أنثى، بل هو جنس ثالث، فتلك تكون هويته الجنسية.
وقيل - بناء على هذا الرأي: إن الإنسان لا يولد بالفطرة ذكراً ولا أنثى (1) لمجرد خصائصه الجسدية البيولوجية، وإنما يكتسب هوية الذكورة والأنوثة من خلال البيئة والتربية والعوامل الاجتماعية والرغبات الشخصية، ومن الممكن تربية من هو جسداً ذكراً على أن يكون له شخصية أنثوية، كما يمكن أن يُربى من هو أنثى جسداً على أن تكون لها شخصية ذكورية، ولا أهمية للخصائص الجسدية في الهوية الجنسية الداخلية حسب مزاعم أصحاب هذا الرأي وفق مقتضيات علم النفس الحديث.
وقد اشتملت هذه النظرية على مبدأين مترابطين معاكسين للمبدأين المتقدمين في الاتجاه الفطري العام:
۱. مبدأ فردي وهو تبعية الهوية الجنسية للإنسان لانطباعه عن جنسه وإن كان
ذلك على خلاف جسده، كأن يرى الذكر جسدياً نفسه أنثى فتكون هويته الأنوثة، وترى الأنثى جسدياً نفسها ذكراً فتكون هويتها الذكورة.
2. مبدأ اجتماعي وهو القبول بأن يتظاهر كل من الجنسين وفق انطباعه عن جنسه بمظهر الجنس الآخر، فيتزيّا الذكر الذي يفترض نفسه أنثى بزيّ الأنثى وتتزيّا الأنثى التي تفترض نفسها ذكراً بزيّ الذكر، مما يؤدي إلى عدم إمكان الفرز بين الجنسين - جسدياً - من خلال مظاهرهما عموماً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) وهناك من يعبر في هذا السياق بدلاً عن الذكورة والأنوثة بالرجل والمرأة على أساس أن الذكورة والأنوثة تعنيان الجانب الجسدي والرجل والمرأة يعنيان الجانب الجنسي الاجتماعي.
سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 2، ص8ـ ص10
تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني