رفض التلاقي بين الشيعة والسنة على حساب العقيدة
2024-07-03

أما الدعوة للتلاقي والتقارب بين الشيعة والسنة على حساب العقيدة، بتنازل الشيعة عن‌ بعض عقائدهم، والسنة عن بعض عقائدهم، مع ‌تجاهل الأدلة التي اعتمدها كل طرف على ما عنده والإعراض عنها، فهي دعوة غير عملية..

أولًا: لأن ذلك يزيد المسلمين خلافاً، إذ ليس من شأن مثل هذه‌ الدعوة أن يستجيب لها الكل. ولو استجاب لها البعض من الطرفين تعرض المسلمون لانقسام ‌زيادة على انقسامهم، حيث سيكون لكل من الشيعة والسنة فرقتان: متزمتة ومتسامحة، ويكون لنا بدل الفرقتين أربع فرق.

على أن ذلك سيجعل من التلاقي أو التقارب بين الشيعة والسنة شبحاً مخيفاً مهدداً للعقيدة، التي هي أعزّ ما يملكه المسلم ‌المتدين - الذي يرجى الخير منه للإسلام - والتي يتشبث بها أشدّ التشبث. كما سيجعل الدعوة لهما مورداً للتوجس، وهدفاً للاتهام، ومثاراً لعلامات الاستفهام، بنحو قد يكون‌ مبرراً لمقاومة الدعوة المذكورة، وسبباً لاستيضاح شرعية عرقلتها عند بعض الناس، وهو مما يعيق عملية التلاقي أو التقارب، أو يقضي عليها.

بل قد يحمل كل طرف يرى أن عقيدته مهددة إلى إثباتها والدعوة لها بصورة قد تحمل طابع العنف والتطرف والإصحار، بنحو قد يزيد في شقة الخلاف، وتكون له ردود فعل معاكسة غير محمودة العاقبة، تضرّ بوحدة المسلمين، وتشق كلمتهم، وتزيد في محنتهم.

وهذا بخلاف ما سبق من ‌الدعوة للتقارب العملي بين طوائف المسلمين والتعاون بينهم من ‌أجل رفع كلمة الإسلام ‌وخدمة الأهداف المشتركة، مع احتفاظ كل منهم بعقيدته لنفسه أو الدعوة لها بالتي هي أحسن، والدعوة للتلاقي العلمي والحوار من ‌أجل تمحيص الأدلة والوصول للحقيقة.

فإنهما دعويان وجيهتان ساميتا الأهداف، مأمونتا العاقبة، لا مبرر لرفضهما. بل من شأن كل مؤمن غيور على الإسلام‌ أن يتقبلهما. ولا يرفضهما إلا المشبوه الأهداف المتهم على الإسلام. ومثل هذا قد يضرّ التعاون معه، ومن ‌الصعب استصلاحه. والأصلح تجاهله وإهماله.

قال الله تعالى: [لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا ولأَوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ] (1). وسيغني الله عنهم [إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد] (2).

وثانياً: لأن الحقائق الدينية يجب الاعتقاد بها شرعاً بعد تمامية أدلتها، وقيام الحجة عليها. وحينئذٍ فالأمور التي يعتقدها كل طرف إن لم تقم الأدلة عليها بوجه كافٍ فالاعتقاد بها محرم، سواءً كانت مما يتفق عليه الأطراف أم مما يختلفون فيه، أم مما سكت عنه بعضهم. وإن قامت الأدلة عليها بوجه كافٍ فالاعتقاد بها واجب. وكيف يمكن التنازل‌ عما يجب شرعاً من أجل‌ جمع الكلمة؟!

وثالثاً: لأن ذلك ظلم للحقيقة التي يعتقدها كل طرف. بل ليس من المقبول شرعاً ولا وجداناً التنازل عن الحقائق التي يعتقد المسلم أي مسلم كان - أن الله سبحانه وتعالى قد فرضها وأتم الحجة عليها، وقد ضحى في سبيلها أحبته وأولياؤه وعباده ‌الصالحون، بخوعاً لأمره، وطلباً لمرضاته، وجهد أعداؤه الظالمون والمفرقون في طمسها وتضييع معالمها، معاندة له، وتحريفاً لتعاليمه، حتى افترقت الأمة بسبب ذلك واختلفت ‌فيها.

وليس في التنازل عنها من أجل جمع الكلمة والتقريب بين طوائف الأمة إلا ظلم الحقيقة، والردّ لأمر الله تعالى الذي فرضها، والاستهوان به، وتضييع جهود أوليائه وتضحياتهم من أجل الحفاظ عليها، وتحقيق أهداف أعدائه الظالمين وإنجاح مساعيهم من أجل‌ طمسها وتضييع معالمها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة التوبة الآية: 47.

(2) سورة لقمان الآية: 26.



 

في رحاب العقيدة، ج ١، السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، ص251، 252