مواقف الشيعة وعلمائهم في توحيد الجهود
2024-06-23

وعلى ذلك سار شيعتهم في معاشرتهم ومخالطتهم مع بقية المسلمين، وفي فتاواهم ومواقفهم ضدّ الكفر، من أجل الحفاظ على بيضة الإسلام العظيم في تاريخه الطويل، وحتى العهود القريبة.

ومن تلك المواقف ما حصل ‌منهم في أوائل القرن‌ الماضي حينما غزت الجيوش البريطانية العراق في حربها مع العثمانيين الذين وقفوا من الشيعة وعلمائهم أقسى المواقف، ظلماً وعسفاً، وامتهاناً وتجاهلًا، حتى أنهم لم يكونوا يعترفون بالفقه الشيعي، فكان طلبة العلوم الدينية من الشيعة لا يشملهم العفو عن الخدمة العسكرية إلا بعد أن يؤدوا الامتحان على طبق الفقه الحنفي الذي هو المذهب ‌الرسمي للعثمانيين.

إلا أن علماء الشيعة (قدس الله أرواحهم الزكية) غضوا النظر عن ذلك كله، حينما أصبح الإسلام مهدداً، فدعموا العثمانيين، وأفتوا بوجوب الجهاد معهم، وخرجوا بأنفسهم وبمن‌ تبعهم من المجاهدين لجبهات القتال في الشعيبة والكوت، وباشروا القتال بأنفسهم، وقاسوا ما قاسوا من المتاعب والمصائب في مواقف‌ مبدئية، قياماً بالواجب في حفظ بيضة الإسلام، والدفاع عنه.

كما دعم علماء الشيعة القضية الفلسطينية في مراحلها المختلفة، من‌ أجل أن القضية إسلامية، والدفاع فيها عن‌ أرض الإسلام وكيانه.

وفي أواخر القرن الماضي حين تعرض العراق لخطر المدّ الشيوعي الإلحادي انفتحت المرجعية الشيعية - بقيادة مرجع‌ الطائفة الأعلى الأستاذ الجد السيد محسن‌الحكيم (قدس سره) - على السنة في العراق ورحبت بهم، لتوحيد الكلمة من أجل ‌الوقوف في وجه المدّ المذكور.

كل ذلك لأن‌ المصلحة الإسلامية العليا فوق الخلافات المذهبية. ولأن اللازم‌ على المسلمين توحيد كلمتهم، وتناسي خلافاتهم، حينما يكون الإسلام مستهدفاً من قِبَل الأعداء. ولتكن هذه‌ المواقف وغيرها عبرة لنا، ومحفزة على تلاقي المسلمين العملي من أجل الدفاع عن الإسلام، وسدّ الطريق على أعدائه، الذين يتربصون به الدوائر، ويبغونه الغوائل (1).


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقد سبق لنا حديث‌ حول الصيغة الصحيحة لتعامل المسلمين فيما بينهم يحسن - - إثباته هنا، وقد جاء فيه: ((ينبغي لهم..

أولًا: أن يعمقوا الشعور في أنفسهم بوجوب التلاحم بينهم من أجل الحفاظ على الكيان الإسلامي العام وتقويته، فإن هذا في نفسه واجب ‌شرعي في حق الكل، نتيجة انتمائهم للإسلام، وإيمانهم بأنه الدين الإلهي الحق، الذي لا يقبل الله تعالى من العباد غيره، وبأن ‌الله تعالى قد أمر بنصره وبالجهاد من أجله.

كما أنه اللازم في المرحلة المعاصرة بلحاظ خطط الأعداء، وإصرارهم‌ على مقاومة الإسلام بإطاره العام، وإبعاده بتشريعاته ومفاهيمه عن واقع الحياة، ومحاولة تجريد أبنائه منه، ومحاربة المسلمين - ككل - أينما كانوا وكيف كانوا، وإضعافهم، وعرقلة مسيرتهم، وشق كلمتهم، وإلقاح الفتنة بينهم، وتجاهل حقوقهم والتغاضي عنها، والتصام عن سماع صوتهم... إلى غير ذلك.




في رحاب العقيدة، ج ١، السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، ص 246ـ ص248