لقد جاءت تعاليم الدين برسالاته المتعددة وآخرها رسالة الإسلام واضحة ومؤكدة للغاية في بناء الهوية الجنسية للإنسان على الخصائص الجسدية وحصر الاقتران الزوجي المشروع بالاقتران بين الجنسين وتحريم الفعلة الشاذة وتقبيحها للغاية من المنطلق الفطري وضرب المثل للأمم والأقوام بقوم استحلوا هذه الفعلة فبعث الله رسولاً (وهو لوط) إليهم بالنهي عن ذلك حتى إذا تحدوه بفعلة خاطئة
أنزل عليهم عذاباً مدمراً كانوا به عبرة ومثلاً للأمم والأقوام من بعدهم. ولكن أدت الاتجاهات الجديدة التي رسخت في فريق من الناس لموافقتها لرغباتهم وعوامل أخرى تدريجاً إلى سعي بعض هؤلاء ممن كان يريد أن يحافظ على انتمائه إلى الدين إلى التشكيك في موقف الأديان والرسالات الإلهية التي كانت واضحة في ثنائية الذكر والأنثى تبعاً للوضع الجسدي وتكاملها حصراً بالاقتران الزوجي وفي تكوين الأسرة، وحاول هذا البعض حمل نصوصها على ما يسلب دلالتها على حظر الشذوذ والاقتران الشاذ، وادعي على سبيل المثال أن ما جاء من نزول العذاب على قوم لوط الذين كانوا يمارسون هذه الفعلة الشاذة لم يكن على أساس فعلتهم هذه، بل على أساس تعرضهم للرسل الضيوف على النبي لوط (عليه السلام).
وهذه تشكيكات ومساع متكلفة ومجافية بوضوح لتعاليم الدين ونصوصه، كما
يجده أي باحث في نصوص الدين حتى إذا لم يكن ممن يعتقدوا بالدين. وأما نزول العذاب على قوم لوط في أثر تعرضهم لضيوف الرسول (عليه السلام) بالفعل الشاذ فهو صحيح إلا أن ذلك لا ينفي أن الله سبحانه قد أرسل لوط إلى قومه لنهيهم عن الفعل الشاذ فكان التحذير منه معلماً رئيسياً في رسالة هذا النبي. على أن نزول العذاب على قوم لوط في إثر تعرضهم لضيوف الرسول لا ينفي علاقة نزول العذاب بامتناعهم عن الإيمان بلوط ورسالته وتعاليمه ومن أبرزها التحذير عن الفعل الشاذ، فإنّ العذاب قد لا ينزل على الأمم إلا بعد تحدي الرسول بعمل ما فكان نزول العذاب على قوم لوط بصنيعهم ذاك باعتباره حدثاً تمت به الحجة على هؤلاء حيث بلغوا الغاية في العناد على هذه الخطيئة الفاحشة، وكان تحدياً للرسول، فاستوجبوا به العذاب كما نزل العذاب على قوم صالح بعقر الناقة، وسيأتي توضيح ذلك في موضعه.
سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 1، ص60 ـ ص61 تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني