محاولة التحجير على السنة الشريفة وإخفائها
2024-05-16

ويبدو أن محاولة التحجير على السنة الشريفة وإخفائها وتضييعها بدأت ‌في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) حين ‌كثر المعتنقون للإسلام من قريش رغبة أو رهبة، وحين رأوا النبي (صلى الله عليه وآله) باتجاه لا يخدم مصالحهم الشخصية وأنانيتهم. ولا سيما مع ماتحمله صدورهم من أحقاد وضغائن، عليه وعلى أهل بيته، وعلى الخلص من أصحابه، الذين يتبعونه في معايير الحب والبغض، والولاء والمباينة.

ففي حديث عبد الله بن عمرو: ((كنت‌ أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق (1).

وربما يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد عرّض بهذه المحاولة حينما قال فيما روي عنه: « لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به‌أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري. ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه (2).

وقويت هذه المحاولة حينما نشط الحزب القرشي في مرض‌ النبي (صلى الله عليه وآله)، فمنع النبي (صلى الله عليه وآله) من كتابة الكتاب الذي أراد أن يعصم به أمته من الضلال، وقد سبق ‌في جواب السؤال الثاني قول عمر: ((حسبنا كتاب الله)).

وبدأ التنفيذ العملي لذلك حينما فاز الحزب القرشي بالاستيلاء على الحكم‌ بعد التحاق النبي (صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى.

فقد أحرق أبو بكر خمسمائة حديث كان قد كتبها عن ‌النبي (صلى الله عليه وآله) (3). وقد خطب بمنع ‌الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: ((إنكم تحدثون عن‌ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافاً. فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم‌ فقولوا بيننا وبينكم ‌كتاب الله، فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه (4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسند أحمد 162: 2 مسند عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، واللفظله، 192: 2 مسند عبد الله ابن عمرو بن العاص (رضي الله عنه) / سنن أبي داود 3: 318 أول كتاب العلم: باب كتاب العلم / سنن‌ الدارمي 136: 1 باب من رخص في كتابة العلم / المستدرك على الصحيحين 187: 1 كتاب العلم / تحفة الأحوذي 357: 7 في شرح أحاديث باب ما جاء في الرخصة / المدخل إلى السنن الكبرى 415: 2 باب من رخص في كتابة العلم... / الجامع لأخلاق‌ الراوي وآداب السامع 36: 2 الكتابة عن المحدث في المذاكرة.

(2) السنن الكبرى للبيهقي 76: 7 كتاب النكاح: جماع أبواب ما خص به رسول (صلى الله عليه وآله) وأبيح لغيره باب الدليل على أنه ‌لا يقتدى به فيما خص به ويقتدى به فيما سواه، واللفظ له / سنن أبي داود 200: 4 كتاب السنة: باب ‌في لزوم السنة / سنن ‌ابن ماجة 6: 1 باب تعظيم حديث رسول (صلى الله عليه وآله) والتغليظ على من عارضه / سنن الترمذي 37: 5 كتاب العلم عن رسول ( ص ): باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي - / المستدرك على الصحيحين 190: 1 كتاب العلم / صحيح ‌ابن حبان 191: 1 ذكر الخبر المصرح بأن سنن ‌المصطفى كلها عن الله لا من تلقاء نفسه / وقريب منه ما في تذكرة الحفاظ 1190: 3 في ترجمة أبي إسماعيل‌ عبد الله ابن محمد الأنصاري الهروي.

(3) تذكرة الحفاظ 5: 1 في الطبقة الأولى من الكتاب‌في ترجمة أبي بكر (رضي الله عنه) / الرياض النضرة 144: 2 في ذكر ورعه (أبي بكر) (رضي الله عنه) / كنز العمال 10: 285 باب في آداب العلم والعلماء: فصل فيرواية الحديث.

(4) تذكرة الحفاظ 2: 1 - 3 في الطبقة الأولى من الكتاب في ترجمة أبي بكر (رضي الله عنه).




في رحاب العقيدة، ج ١، السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، ص 234 ـ ص234