التوحيد في التقنين
2024-03-24

إنّ حق التقنين والتشريع - هو الآخر - مختص باللَّه في نظر القرآن الكريم...

فليس لأحد سوى ((اللَّه)) حق التقنين والتشريع وجعل الأحكام وسن القوانين للحياة البشرية .

ولذلك فإنّ الذين أعطوا مثل هذا الحق للأحبار والرهبان خرجوا من دائرة التوحيد في التقنين ، ودخلوا في زمرة المشركين .

ويمكن إدراج هذا القسم ( أي التوحيد في التقنين ) تحت قسم (التوحيد الافعالي) ولكن من الأفضل أن نفرد له قسماً خاصاً ، وبحثاً مستقلًا ، لأنّ المقصود بالأفعال في ((التوحيد الافعالي)) هو الأفعال التكوينية أي المرتبطة بعالم الخلق والتكوين والطبيعة ، في حين أنّ التقنين والتشريع نوع من الأُمور الاعتبارية والجعلية العقلائية ، فليس التحليل والتحريم أمرين تكوينيين ، بل من الملاحظات العرفية القائمة بذهن المعتبر واعتباره ، ولهذا يكون من الأنسب التفريق بين هذين القسمين.

وهكذا بالبحث في :

التوحيد في الحاكمية

والتوحيد في الطاعة .

والتوحيد في التقنين .

أقول: بالبحث في هذه الأُمور تتضح صيغة الحكومة ونظام الحكم في الإسلام، وتتجلّى لنا الصورة الواقعية للحكومة الإسلامية .

لأنّ على هذا الأساس لن تكون الحكومة الإسلامية من نوع ((حكم الفرد على الشعب)) ولا من نمط ((حكم الشعب على الشعب)) على إطلاقه، بل هي من نوع ((حكومة اللَّه على المجتمع بواسطة المجتمع)) (على النحو الذي سيأتي بيانه موسعاً فيما بعد) أو بعبارة أُخرى: حكومة القانون الإلهي على المجتمع .

وأمّا بقية الصيغ الأُخرى للحكم... فلا توافق الصيغة القرآنية على صعيد نظام الحكم مطلقاً .

ففي كثير من الصيغ المطروحة لنظام الحكم يشار فيها - في العادة - إلى هذه الأُصول الثلاثة وهي:

1 . السلطة التشريعية.

2 . السلطة القضائية.

3 . السلطة التنفيذية.

وكل هذه السلطات الثلاث محترمة في نظر الإسلام، إلّا أنّ مهمة ((السلطة التشريعية)) في الحكومة الإسلامية ليست إلّا ((التعريف بالقانون)) والتخطيط وفق موازين الشريعة الإسلامية وليس سن القوانين ، لأنّ في النظام الإسلامي يختص حق التقنين باللّه تعالى، فلا مكان لمقنّن آخر فيه سوى اللَّهُ تعالى الذي سن جميع ما يحتاجه البشر من القوانين وأبلغها إليهم عن طريق الأنبياء والمرسلين .

من هنا لا بد لتكميل ((البحوث التوحيدية)) - بالإضافة إلى دراسة مراتب التوحيد الأربع - من البحث في هذه الأنواع الثلاثة من التوحيد على ضوء القرآن .

على أنّنا لا ندعي بتاتاً بأنّ مراتب التوحيد وأقسامها تنحصر في هذه المراتب السبع وتقف عند هذا الحد ، بل يمكن أن يكون للتوحيد مراتب أُخرى ذكرها القرآن (مثل ((التوحيد في الهداية)) و ((التوحيد في المالكية)) و ((التوحيد في الرازقية)) و ((التوحيد في الشفاعة)) مما يمكن إدخال بعضها أو جميعها في قسم ((التوحيد الافعالي)) ).




مفاهيم القرآن، ج ١، الشيخ السبحاني، ص ٢٣ ـ ص25