هل أن الأخلاق قابلة للتغيير؟
2024-01-27

إنّ مصير علم الأخلاق وكلّ الأبحاث الأخلاقية، يتوقف على الإجابة عن هذا السؤال، إذ لولا قابليتها للتغيير لأصبحت كلّ برامج الأنبياء التربويّة والكتب السماويّة، ووضع القوانين والعقوبات الرّادعة، لا فائدةٍ ولا معنى لها.

فنفس وجود تلك البرامج التربويّة وتعاليم الكتب السماويّة، ووضع القَوانين في المجتمعات البشريّة، هو خير دليل على قابليّة التغيير في الملكات والسلوكيّات الأخلاقيّة لدى الإنسان، وهذه الحقيقة لا يعتمدها الأنبياء عليهم السلام فحسب، بل هي مقبولةٌ لدى جميع العقلاء في العالم.

والأَعجبْ من هذا، والغريب فيه؛ أنَّ علماء الأخلاق والفلاسفة ألّفوا الكتب الكثيرة حول هذا السؤال: ((هل أنّ الأخلاق قابلة للتغيير أم لا))؟!

فالبعض يقول: إنّ الأخلاق غير قابلة للتغيير، فمن كانت ذاته ملوَّثة في الأصل يكون مجبولًا على الشرّ، وعلى فرض قبوله لعمليّة التّغيير، فإنّه تغيير سطحي، وسرعان ما يعود إلى حالته السّابقة.

ودليلهم على ذلك، بأنّ الأخلاق لها علاقةٌ وثيقةٌ مع الرّوح والجسد، وأخلاق كلِّ شخصٍ تابعة لكيفية وجود روحه وجسمه، وبما أنّ روح وجسد الإنسان لا تتبدلان، فالأخلاق كذلك لا تتبدل ولا تتغير.

وفي ذلك يقول الشاعر أيضاً:

إذا كان الطّباع طِباعَ سوءٍ

   فلا أدبٌ يفيد ولا أديبُ


واستدلوا على ذلك أيضاً، بمقولة تأثر الأخلاق بالعوامل الخارجية؛ وأنّ الأخلاق تخضع لمؤثّراتٍ خارجيَّةٍ من قبيل الوعظ والنّصيحة والتأديب، فبزوال هذهِ العوامل، تعود الأخلاق لحالتها الأولى، فهي بالضّبط كالماء البارد، الذي يتأثر بعوامل الحرارة، فعند زوال المؤثّر، يعود الماء لحالته السّابقة.

ومما يؤسف له وجود هذا الّنمط من التّفكير والاستدلال، حيث أفضى لتردي المجتمعات البشريّة وسُقوطها!



الأخلاق في القرآن، ج١، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص٢١