وجوه ومحاولات لإيجاد معنى للذكورة والأنوثة من دون خصائص جسدية
2023-12-04

إنه قد يقترح إيجاد معنى للذكورة والأنوثة في القول والاعتقاد المغاير للجسد بأحد وجوه:

الوجه الأول: أن يُدعى أن هناك أنوثة وذكورة معنوية داخلية للإنسان يلزمها الميل إلى السلوكيات الخاصة بأحد الجنسين الذكر والأنثى، فهذا نمط من الذكورة

والأنوثة غير النمط الحسي المعهود.

ويلاحظ عليه:

أولاً: أنه لا معنى للأنوثة والذكورة المعنوية، لأنهما ليستا حالتين روحانيتين كي

يدركا بالتجربة الروحية، ولا هما من الأمور النفسية غير الإدراكية مثل الهم واللذة والفرح والألم ونحو ذلك مما يكون شعور النفس به مساوقاً مع وجوده، بل هما صفتان واقعيتان للإنسان في نفسه يكون شأن الإنسان أن يرصدهما ويدركهما كواقع متقرر في نفسه بغض النظر عن الإدراك، وإنما يكتنفه الإدراك، فليس هناك معنى لذكورة وأنوثة تكونان صفة نفسية بحتة من غير علاقة بالجسد وما يشتمل عليه، كي يفسر بهما انطباع الإنسان عن نفسه أنه ذكر أو أنثى - بغض النظر عن خصائصه

الجسدية ــ.

الوجه الثاني: أن يقال إن الذكورة والأنوثة في انطباع الإنسان عن جنسه على خلاف جسده ليستا صفتين واقعيتين، بل هما ضرب من البناء النفسي عليهما، فهما بذلك من سنخ الأمور التي يوجدها الإنسان باعتبارها هو، مثل اعتبار الإنسان الطفل اليتيم ابناً له وهو ليس ابناً له حقيقةً، بل ذلك محض اعتبار إنساني قانوني، وكذلك اعتبار هذا الشخص مواطناً ينتمي إلى هذا البلد رغم أنه لم يتوطن فيه خارجاً، ولكنه انتماء يفرض له وفق القانون وهكذا، فلتكن الذكورة والأنوثة غير الجسدية أمرين يعتبرهما الإنسان لنفسه، وليستا واقعين يدركهما الإنسان.

 وهذا الوجه خاطئ، لأن المطروح في الاتجاه الحديث هو أن الإنسان يرى نفسه ذكراً أو أنثى على خلاف جسده، وليس أنّه يبنى على ذلك ابتداءً، كما يتخذ الطفل مثلاً ابناً له، أو يُعتبر مواطناً لدولة من خلال القانون.

الوجه الثالث: أن يدعى أن قول المرء عن نفسه أنه ذكر أو أنثى على خلاف جسده أشبه بما يقع في التعابير الأدبية حيث يجعل الشخص الشجاع أسداً والشخص المكار ثعلباً والشخص الجميل شمساً أو قمراً، كما قال سبحانه: [إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكَ كَرِيمٌ](سورة يوسف : آية ٣١)، وهكذا، فمقصوده أنه يجد من نفسه الرغبات المشاعر التي تُعرف في العرف بأنها رغبات ذكورية لا بالنظر إلى الخصائص الجسدية للذكر، بل بالنظر إلى ما يرغب إليه من السلوكيات الاجتماعية.

 وهذا أمر يمكن أن يتحقق بأن يجد الإنسان ميلاً إلى مجموعة سلوكيات متعارفة لدى الجنس الآخر، ولذلك يطلق على نفسه أنه من ذاك الجنس الآخر، فهو يريد أنه ينحو منحى ذاك الجنس دون الجنس الذي ينتمي إليه، ولكن لشدة تشبهه بالجنس الآخر وتمسكه بمنحاه فإنّه يتراءى له هذا التخيل كالحقيقة.

ويلاحظ على هذا الوجه: أن قول المرء عن نفسه بما يخالف جسده لا يتخرج على ما تجري عليه مثل هذه التعابير الأدبية، وذلك لأنّ التعابير الأدبية لا يريدها من يطلقها على حقيقتها، فمن يقول على (زيد) - مثلاً - إنّه أسد لا يعتقد أنه هو ذلك الحيوان، وإنّما يراه شجاعاً ولكنّه يلبسه لبوس الأسد تخيّلاً لإيجاد المشاعر المناسبة مع الأسد تجاه زيد من شجاعة ومهابة وفتك ونحوها، ولذلك فإن الأديب لن يكون

واهماً لأنه يعرف الحقيقة ولكنه يتوسع في تخيله لغايات أدبية.

الوجه الرابع: أن يقال إننا نريد بالهوية الجنسية للشخص التابعة لاعتقاده مجموعة السلوكيات التي يرغب إليها والتي تعرف اجتماعياً بأنها سلوكيات الأنثى أو سلوكيات الذكر ، فمن مال إلى السلوكيات التي تعتبر للأنثى فهو ذات هوية أنثوية وإن كان ذكراً جسدياً، ومن مال إلى السلوكيات التي تعتبر للذكر فهو ذات هوية

ذكرية وإن كان أنثى جسدياً، ولا نعني بالهوية أزيد من هذا المعنى.




سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 2، ص27 ــ ص 31

تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني