مبتنيات الاتجاه الحديث خصوص الهوية الجنسية وابعادها وبيان ضعفه والتوهم الخاطئ
2023-12-03

البحث الأول: تطابق الهوية الجنسية والجسدية وفق الهدي الفطري الإدراكي السليم

إن العقل والإدراك السليم يدرك أنّه لا معنى منطقياً عند التأمل لما تضمنته النظرية الحديثة من إناطة (الأنوثة والذكورة) بانطباع المرء عن نفسه بلا اعتبار بما يكون عليه جسده في خصائصه الحيوية (البيولوجية) لوجهين:

بيان أنه لا معنى للاعتقاد بذكورة وأنوثة تتحققان بالاعتقاد نفسه دون أي واقع وراء الاعتقاد

الوجه الأول: إن الذكورة والأنوثة في الانطباع المغاير عن الجسد لا تخلوان من أحد وجهين، كلاهما خاطئ بوضوح:

 ١ - أن يكون لهما واقع بغض النظر عن الاعتقاد، ولكن الشخص يكتشف هذا الواقع من خلال هذا الاعتقاد كما هو الحال في سائر اعتقادات الإنسان حول نفسه وغيرها، فهو إذا اعتقد بأنه مريض أو قصير أو طويل أو غير ذلك فإن هناك واقعاً محفوظاً بغض النظر عن اعتقاده بذلك من عدمه، وإنما اعتقاده كاشف عن الواقع إذا كان مصيباً غير سليم.

وهذا الوجه غير ملائم لهذه النظرية، لأنّ هذه النظرية تبني على أن المناط في الذكورة والأنوثة إنما هو بهذا الاعتقاد نفسه، وليس بأي شيء آخر وراءه، ولذلك تتحول الهوية الجنسية للشخص بمجرد تغيّر اعتقاده عن نفسه، فلو اعتقد أولاً أنه ذكر كان ذكراً، ثم اعتقد أنه أنثى صار أنثى بمجرد تغير انطباعه عن نفسه وإن لم يتغير أي شيء آخر في جسمه وبدنه.

٢ - إن الذكورة والأنوثة للشخص تتحقق بنفس اعتقاده بذكورته أو أنوثته، فإذا اعتقد أنه ذكر كان ذكراً وإذا اعتقد أنه أنثى فهو أنثى.

 وهذا الوجه أيضاً غير ملائم، وذلك لأن الاعتقاد هو من قبيل الإدراك، وشأن الإدراك بين الصفات النفسية أن يحكي عن شيء وراءه - أصاب أو أخطأ ــ، فلا معنى لأن يكون إدراك الإنسان لشيء بنفسه محققاً لذلك الشيء، كأن يعتقد أنه عالم فيصير عالماً بذلك، أو يعتقد أنه طويل يبلغ طوله مترين فيتحقق ذلك.

 نعم، سائر الصفات النفسية كالهم واللذة والفرح والألم يكون نفس الشعور بها محققاً لها، لأنها لا تحكي عن شيء، بل تعني وجود مشاعر خاصة، فيكفي وجود تلك المشاعر في صدقها.

إذا يصح القول إن هذا الاتجاه يدعي تحقق الذكورة والأنوثة للشخص بهذا الاعتقاد نفسه، وهذا خطأ واضح للغاية، لأن شأن الاعتقاد أن يحكي عن الأمر المعتقد به لا أن يحقق المعتقد به فعلاً.



سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 2، ص23، 24

تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني