مخادعة المنافقين
2023-11-21

قد ظهر من حديثنا هذا أمر لم نعثر على من نّبه له، قد يكشف عن نكتة بيانية في قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) (سورة النساء الآية:142) .

وهو أنه يمكن حمل خَدْع الله عز وجل لهم على أنهم كانوا يحسبون أن إظهارهم الإيمان وإقرارهم بالإسلام نفاقاً، وقبوله تعالى هو ورسوله (صلى الله عليه وآله) منهم ذلك، خَدعاً منهم الله عز وجل، حيث قد نفعهم في دنياهم من دون أن يكسب الإسلام بواقعه السليم منهم شيئاً، بل حرفوا الإسلام واستغلوه لأطماعهم، كما يريدون.

لكنهم غفلوا عن أن قبول الله تعالى ذلك منهم كان لصالح الإسلام السليم، ومكسباً له. حيث أدى إلى نشرهم الإسلام بإطاره العام وتعريف الشعوب به واستتبع ذلك احترام الكتاب المجيد والسنة النبوية الشريفة، وفرض الرجوع إليهما في معرفة الحقائق والأحكام.

وبذلك تحققت الأرضية المناسبة لصالح الإسلام الحق، والبيئة الصالحة لسماع حجته. حيث فسح المجال لأئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وصالح المؤمنين من أهل البصائر في العمل وبذل الجهد لتنبيه عامة المسلمين للدين الحق بواقعه السليم وبتمام تعاليمه، ومنها ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وموالاة وليهم ومعاداة عدوهم، بعد وضوح الحجة وكثرة الأدلة، لما سبق من اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) بالتبليغ بوجه مكثف، بحيث تقوم به الحجة مهما امتد الزمن وتعاقبت الأجيال.

وبذلك قامت أمة كبيرة تؤمن بذلك، وتتبناه بإصرار قد يبلغ حدّ التضحية. وهذه الأمة تنهض بالدعوة له، وتستقطب من كتب الله عز وجل له التوفيق لطلب الحقيقة وقبولها، ورفض الباطل وأهله، والبراءة من الظالمين مهما طال الزمن وتعاقبت الأجيال.

وقد سبق منا أن ذلك هو هدف الله تعالى من إرسال رسله، وإن لم

يترتب عليه قبول جميع الناس منهم وإيمانهم برسالتهم.

ولولا ما قام به المنافقون من الإقرار ظاهراً بالإسلام، ثم نشره بين الشعوب المختلفة رغبة في الحكم والسلطة في الدنيا، لما تيسر للقلة من ذوي البصائر والإيمان الخالص ممن عاصر النبي (صلى الله عليه وآله) شيء من ذلك.

وبذلك يظهر أنه كما حاول المنافقون خدع الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) لأطماعهم الدنيوية، خَدَعهم الله عز وجل باستخدامهم لصالح دعوته الحقة من حيث لا يشعرون.

بل ترتب على ذلك كشفهم على حقيقتهم وفضحهم، وتسليط الضوء على جرائمهم، والتشنيع بها عليهم. وكلما امتد الزمن وتعاقبت الأجيال زاد ذلك وضوحاً وجلاءً. وأي خدع أشدّ عليهم من ذلك؟! وبه يمكن تفسير الآية الشريفة.




خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) ص222 ـ ص224

آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدس سره)