مقاييس خمسة عامة للفرز بين الحالات السليمة وغيرها
2023-11-20

إن هناك مقاييس عامة وجدانية عقلائية وعلمية لفرز الحالات السليمة عن غيرها في الإنسان، حيث إنّ بجنب الحالات المتعارفة في الإنسان في الجانب الإدراكي والجسدي والنفسي والأخلاقي والحِكَمي دوماً حالات غير متعارفة بدرجات متفاوتة تدعو الحاجة المجتمع البشري إلى تحديد صنفها، فهل هي حالات سليمة ومستقيمة أم هي حالات منحرفة ومرضية أو شبه مرضية.

 وهذه المقاييس ترجع جميعاً إلى الاعتبار بما فطر عليه الإنسان في الأبعاد المتعددة لوجوده وهي البعد الإدراكي والجسدي والنفسي والأخلاقي والحكمي، فالخروج عن مقتضى الفطرة في بعض هذه الأبعاد الخمسة يكون حالة غير مستقيمة.

ولنصف هذه المقاييس الخمسة على نحو الإجمال لكي نتأملها ونلاحظ مقتضاها في شأن المبنى السليم للهوية جنسية.

الأول: السلامة الإدراكية، فالإدراكات السليمة عن الذات وعن الآخرين وسائر الأشياء هي حالة مستقيمة وأما الإدراكات الخاطئة (ولا يشمل المراد بالإدراكات الخاطئة هنا ما يتفق للإنسان أحياناً من الأخطاء الفكرية، ولا موارد الخطأ في الإحساس مثل رؤية القلم منكسراً في الماء، ولا موارد ترجمة الذهن أشياء إلى أخرى مثل ترجمة الذبذبات إلى الأصوات وانعكاس الضوء إلى الألوان والتفاعل الخاص إلى الروائح والأطعمة، فذلك كله لا يخرج المرء عن الاستقامة) فهي حالة غير مستقيمة، بل إذا كانت مستقرة فإنّها تُعدّ حالة نفسية مرضية أو شبه مرضية مثل من يعتقد عن نفسه أنه قد حلّ فيه الله تعالى عن ذلك أو بعض رسله أو بعض أنبيائه أو الصالحين من عباده، أو من يعتقد بحلول الجن فيه، أو من يعتقد أنه قد أصبح بقرة مثلاً أو غير ذلك.

الثاني: السلامة الجسدية، بأن يكون جسد الإنسان واجداً لما يلحظ في عامة أفراده دون زيادة أو نقيصة أو اختلاف على وجه غير ملائم، ولذلك فإن الحالات الشاذة غير الملائمة في البعد الجسدي تعد عند العقلاء وأهل العلم في علوم الأحياء والطب حالات غير مستقيمة، مثل زيادة إصبع أو فقدانه أو قصره جداً أو طوله جداً أو نحو ذلك.

الثالث: السلامة النفسية والسلوكية، فالحالات الشاذة غير الملائمة في البعد النفسي والسلوكي هي حالات غير مستقيمة مثل الخوف النفسي غير المبرر، أو إدمان بعض السلوكيات التي لا معنى لها.

الرابع: السلامة الأخلاقية، والمراد بذلك ليس هو أن يكون سلوكه موافقاً للقيم الأخلاقية الإنسانية العامة، بل المراد أن يختفي لديه بعض المبادئ الأخلاقية مطلقاً أو في حالة نوعية، كما في الأنانية المفرطة المعبر عنها بحالة النرجسية، أو القساوة المفرطة من غير سبب ملائم، وقد يعد من هذا القبيل ما يلاحظ لدى العصابات الإجرامية من التعدي على النفوس والأعراض من غير شعور بأية حزازة، بل مع الاستمتاع بذلك.

الخامس: السلامة الحكمية ونعني بها الميل المعقول إلى السلوك الحكيم وشعوره بالحكمة في السلوكيات المعقولة وفق النسق العقلائي العام، ومعنى الحكمة هي الموافقة مع الصلاح، فالسلوك الحكيم هو السلوك الذي يكون ذا معنى ملائم ولا يكون مضراً بالإنسان، ولذلك يدرج العديد من الحالات المرضية مثل حالة الرغبة الغالبة على الانتحار، وحالات الرغبة في إيذاء الذات والاستمتاع به أو في إيذاء الآخرين للإنسان كما في النزعة (المازوخية)، وحالات الرغبة في إيذاء الغير والاستمتاع به كما في النزعة (السادية)، وكذلك الإدمان على الأشياء بحيث يؤدي إلى اختلال النشاطات الاعتيادية للإنسان وكذلك الحالات المزمنة من الكآبة والقلق وأخواتها مما يؤدي إلى تعطيل نشاط الإنسان، فهذه الحالات خروج عن الاعتدال النفسي والحكمي جميعاً.

فهذه خمسة مقاييس وجدانية وعقلانية وعلمية معروفة في فرز الحالات الصحية والسليمة عن الحالات المرضية وشبهها.




سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 2، ص13 ـ ص16

تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني