موقف الأئمة (عليهم السلام) من الجهاد بعد انتشار الإسلام
2023-11-18

أما بعد ذلك وبعد أن بذر أمير المؤمنين (عليه السلام) بذرة التشيع في الكوفة، وآمن بها جماعة معتد بها، فقد انصرف الأئمة (صلوات الله عليهم) إلى تركيز معيار الإمامة، وأنها لهم (عليهم السلام) وبالنص من الله عز وجل، وأنهم (عليهم السلام) المعنيون بأولي الأمر، ثم الاهتمام بتثقيف شيعتهم بثقافتهم السليمة.

ولم يظهر منهم (عليهم السلام) التشجيع على الجهاد تحت راية الخلافة غير الشرعية، بل يظهر من الإمام زين العابدين (عليه السلام) عدم الاهتمام به، أو عدم شرعيته.

ففي حديث سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): ((قال: لقي عباد البصري علي بن الحسين (عليه السلام) في طريق مكة. فقال له: يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحج ولينه إن الله عز وجل يقول: [إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةً يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله ...] الآية. فقال علي بن الحسين (عليه السلام): أتم الآية. فقال: [التائبون العابدون...] الآية. فقال علي بن الحسين (عليه السلام): إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج)) (الكافي ج : ٥ ص : ۲۲ كتاب الجهاد باب الجهاد الواجب مع من يكون حديث:١). ونحوه غيره.

بل ورد في غير واحد من النصوص عن الأئمة من بعده (صلوات الله عليهم) المنع من الجهاد تحت راية حكام الجور، وفي بعضها أنه مثل الميتة والدم ولحم الخنزير (الكافي ج ٥ ص ٢٣: كتاب الجهاد باب الجهاد الواجب مع من يكون حديث: ٣).

وفي حديث أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهما السلام): ((قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم، ولا ينفذ في الفيء ما أمر الله عز وجل. فإنه إن مات في ذلك المكان كان معيناً لعدونا في حبس حقنا والإشاطة بدمائنا. وميتته ميتة جاهلية)) (الإمامة والسياسة ص:56 استنفار عدي بن حاتم قومه لنصرة علي (عليه السلام) ).

وذلك يكشف عن أن اشتراك خاصة الصحابة من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحروب الأولى بإذن منه (عليه السلام) الخصوصية فيها. ولعله لما ذكرناه من أهمية نشر الإسلام وتعريف الشعوب به والتعريف بالحقيقة بما يتيسر لهم. وبعد أن حصل ذلك بتلك الحروب لم يكن هناك مسوغ للجهاد مع غيرهم (عليه السلام) من أئمة الجور.

نعم رخصوا (عليهم السلام) لشيعتهم الجهاد الدفاعي في الثغور لصد هجوم العدو على بلاد الإسلام، كما يذكر في محله من الفقه. والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الأمر.




خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) ص221، 222

آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدس سره)