مميزات النبي (صلى الله عليه وآله) عن بقية الأنبياء (عليهم السلام)
2023-11-08

وتتمة لحديثنا هذا يحسن التنبيه لأمور:

التي أولها: أن النبي (صلى الله عليه وآله) استطاع بحكمته ومرونة سياسته ولين مواقفه أن يسترضي خصومه، ولو بحملهم على مجاملته، حتى إن حروب الإسلام، التي كان الهدف منها نشره بين الشعوب المختلفة خارج الجزيرة العربية، كان قوام جيوشها من عرب الجزيرة الذين كانوا في بدء الدعوة كفاراً حاربهم النبي (صلى الله عليه وآله) على الإسلام وأرغمهم على الدخول فيه بعد أن كبدهم الخسائر الفادحة في النفوس والأموال والامتيازات.

أما بقية الأنبياء ممن عرف عنه الدعوة لدينه والحرب من أجلها فلم يتسن لهم ذلك فيما وصل إلينا، بل قاتلوا في سبيل نشر دينهم بمن آمن بهم، مع محق من كفر بهم بغَرَق أو نحوه، أو مع انكسار شوكتهم بحرب كما في قضية طالوت وجالوت وجيوشهما.

ثانيها: أن أمته التي اعترفت به طوعاً وكرهاً لم تختلف معه علنـاً وتحدياً له في حياته، بل اختلفت بعده فيما بلغ به، مع الاتفاق على احترامه ولو نفاقاً من بعضهم ومجاملة من دون قناعة تامة.

بينما أعلنت بعض الأمم لأنبيائها مخالفتها لهم تحدياً. فقد عبد بنو إسرائيل العجل في حياة موسى (عليه السلام)، وامتنعوا عليه حين أراد منهم دخول الأرض المقدسة التي كتبها الله تعالى لهم، حتى انتهى الأمر بهم إلى أن قالوا لموسى (عليه السلام): [فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ] (سورة المائدة آية:24). فعاقبهم الله تعالى بالتيه في الأرض أربعين سنة.

ويشير لذلك ما ورد من أن بعض اليهود قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): ((ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه)). فقال (عليه السلام) له: ((إنما اختلفنا عنه لا فيه. ولكنكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم:[اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ] (نهج البلاغة:4 ص:75 أمالي المرتضى ج:1 ص:198)




خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) ص215، 216

آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدس سره)