عظمة شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وإقدامهم على التضحية
2023-11-02

ومن جميع ما تقدم تتجلى عظمة شخص النبي الكريم بما يحمله من تصميم على التضحية من أجل أداء وظيفته التي حمّله الله تعالى إياها، حيث بذل كل ما يستطيع، وجهد في إقامة ذلك المجتمع بسلبياته وتعقيداته في الفترة القصيرة، وبحكمته البالغة، وأخلاقه العالية، من أجل أن يوصل صوت الإسلام للشعوب الكثيرة، لتدخل فيه، ثم تتحقق الأرضية الصالحة للتعريف بالإسلام بحقيقته الصافية من دون تحريف وتشويه.

وإن كان المجتمع الإسلامي الذي قام بنشره لم يخلُ منهما.


وكان (صلى الله عليه وآله) موطناً نفسه على التضحية بأعز الناس عليه وخاصة أهله، وتحميلهم المصائب والمصاعب من أجل تصحيح مسيرة ذلك المجتمع في المراحل اللاحقة، والاستفادة منه على الأمد البعيد، في قيام أمة تدعو إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، لتكون مناراً لطالب الحقيقة، فيهتدي بهديها ويستضيء بنورها. وتقوم الحجة لله تعالى بها على الناس [وَلِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَ عَنْ بَيِّنَةِ] (سورة الانفال الآية: 42)


وقد استفاض عنه (صلى الله عليه وآله) توقع تلك المآسي والإخبار عنها بألم شديد وحسرة بالغة (ففي حديث سعد الإسكاف عن أبي جعفر (عليه السلام): قال : قال رسول (صلى الله عليه وآله): من سّره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن، فيلزم قضيباً غرسه ربي بيده فليتول علياً والأوصياء من بعده، وليسلّم لفضلهم، فإنهم الهداة المرضيون. أعطاهم فهمي وعلمي)، من دون أن يمنعه ذلك عن مضيه في أداء وظيفته في التبليغ والعمل الدؤوب في تقوية ذلك المجتمع مع سلبياته المتقدمة، وما يتوقع أن يقوم به نتيجة ذلك.

كما تتجلّى بذلك عظمة أهل بيته (عليهم السلام) في استجابتهم له (صلى الله عليه وآله) وقناعتهم بمشروعه، وتسليمهم لله عز وجل، وتقبلهم تلك المصائب الفادحة، وتضحيتهم فيها من دون تبرّم ولا جزع، فناءً في ذات الله عز وجل، وتسليماً لأمره، ورضاً بقضائه.

فالنبي (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام) كإبراهيم خليل الله وابنه إسماعيل الذبيح (عليهما السلام) في محنتهما القاسية.

بل زادوا عليها بأنهم مضوا في تسليمهم حتى النهاية المفجعة، ولم يكتف الله عز وجل منهم بالرضا والتسليم من دون تنفيذ، كما اكتفى بذلك من إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام).

فجزى الله تعالى نبينا العظيم وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) عن هذه الأمة المرحومة خير جزاء المحسنين. وصلى الله عليه وعليهم، ورزقنا شفاعتهم، وحشرنا في زمرتهم إنه أرحم الراحمين. وهو حسبنا ونعم الوكيل.




خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) ص213 ـ ص215

آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدس سره)