الإيمان النبي (صلى الله عليه وآله) بالغيب
2023-10-31

الإيمان بالغيب، كحقيقة يترتب عليها العمل والتسليم والاعتراف به، ولو نسبياً. وذلك بما ظهر منه (صلى الله عليه وآله) ومن أهل بيته (عليهم السلام) من بعده ببركته من كرامات ومعاجز، وإخبارات غيبية ظهر صدقها في المستقبل. مع أن الإسلام قد بدأ وانبثقت دعوته في مجتمع مادي صرف معزول عن المجتمعات الدينية، ولم يتأثر بثقافاتها المبتنية على الإيمان بالغيب.

ومن الظاهر أن ذلك يبتني في مثل تلك البيئة المادية التي عاش فيها النبي (صلى الله عليه وآله) على التدرج مرحلة مرحلة. وقد بدا منه (صلى الله عليه وآله) ذلك مع المشركين، كما تضمنته كتب التاريخ والسيرة. ثم تركز تدريجياً في نفوس المسلمين بما ظهر منه (صلى الله عليه وآله) أولاً من اخبار المستقبل وغيرها، ثم من أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهد خلافته الظاهرة.

وتركز تدريجاً أيضاً في نفوس شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم). حتى انتهى الأمر بهم إلى تقبل إمامة أبي جعفر محمد الجواد وابنه أبي الحسن على الهادي (عليهما السلام)، وهما لم يبلغا السنة الثامنة من العمر.

ومن البعيد جداً تيسر ذلك للإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) لو قدر لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أن يقتل بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بفترة قصيرة، لا لقصور فيهما (عليها السلام)، بل لعدم تهيؤ البيئة التي كانا فيها لتقبل ذلك واستيعابه.

بل يبدو أن الأئمة المتأخرين (عليهم السلام) قد فرضوا على غير شيعتهم ذلك نسبياً، كما ظهر لمن يتقصى أخبارهم وسيرتهم.

ومن الطريف ما روي عن عمر بن الفرج الرخجي، وهو من النواصب المعروفين بعداء أهل البيت (عليهم السلام) قال: ((قلت لأبي جعفر [يعني: الإمام الجواد]: إن شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه. وكنا على شاطئ دجلة. فقال (عليه السلام): يقدر الله تعالى أن يفوّض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا؟ قلت: نعم يقدر فقال: أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه)) (عيون المعجزات ص: ۱۱۳. بحار الأنوار ج: ۵۰ ص: ۱۰۰ - ۱۰۱).

ثم انتهى الأمر بهذا التدرج إلى تقبل الغيبة ـ الصغرى، ثم الكبرى- المبني على الإيمان المطلق بالغيب بمرتبة عالية، كما هو ظاهر.

بل ظهر بعد ذلك ـ على طول الزمن وتعاقب الأجيال ـ من المعاجز والكرامات الكثيرة بالتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) وبأهل بيته (عليهم السلام)، وحتى بذريتهم وخواص أصحابهم (رضوان الله تعالى عليهم).



خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) ص208 ـ ص210

آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدس سره)