معطيات التأمل الجامع في أصل مسألة الذكورة والأنوثة
2023-10-30

ولقد تأمّلت هذا الموضوع تأملاً جامعاً وتابعت مبادئه من العلوم المختلفة ابتداءً بالقواعد الفطرية العامة للمعرفة الإنسانية والتي تمثل العقلانية الراشدة التي يجري عليها عامة العقلاء في المجتمع الإنساني.

ومروراً بالعلوم الإنسانية المختلفة ذات العلاقة - التي لم أكن بعيداً عنها من قبل - من علم التاريخ العام والمعاصر وعلوم النفس بأقسامها وعلم الاجتماع والقانون والأحياء وعلم الطب بأنواعه وعلوم الأحياء والتشريح وعلم وظائف الأعضاء وعلم الطب بأقسامه لا سيما طبّ الجهاز التناسلي والطب النفسي - بالمقدار الذي يتوقف عليه تبين هذا الموضوع وما أتيح لي من ذلك ..

وانتهاءً بالعلوم الدينية المختلفة من أصول وقواعد المعرفة الدينية وتاريخ المجتمعات الدينية والأديان والرسالات خاصةً رسالة الإسلام وعلوم القرآن وتاريخه وعلوم السيرة والحديث وعلوم أصول الدين وعلوم التشريع الإسلامي كعلم الفقه والقواعد الفقهية وفلسفة التشريع وأصوله وأنواعه وعلم أصول الفقه بأبوابه وعلوم اللغة من أدب وبلاغة ومفردات لغوية حسبما يتعلّق منها بالموضوع.

ولقد تأكد لي بملاحظة ذلك كله عدة حقائق:

۱ . إنّ أصل مسألة الذكورة والأنوثة وأصول الأمور المتعلقة بهما ليست مسائل تخصصية وبعيدة عن متناول عامة العقلاء فيما يجدونه بوجدانهم و يشهدونه بخبراتهم العامة، بل هي جزء من الإدراك الوجداني والهدي الإنساني العام في أبعاده المتعددة الذي تؤكده المعايشة الاجتماعية المتحققة لدى جمهور العقلاء.

٢. إنّ العقل السليم والوجدان الإنساني العام يدرك بأنّ حقيقة الذكورة والأنوثة التي هي جزء من الهوية الفطرية للإنسان إنّما تتمثل في جسد الإنسان، وهو الذي يوافق التكوين الجسدي والوظيفي والنفسي والسلوكي.

 وأما افتراض كونها أمراً منفصلاً عن الخصائص الجسدية كأن يرى الذكر جسدياً نفسه أنثى وترى الأنثى جسدياً نفسها ذكراً فإنّما هو ضرب من الوهم والخيال.

3. إنّ الفطرة الإنسانية تنطوي بوضوح على أن الميل الفطري المستقيم إنّما هو الميل الذي يربط بين الرجل والمرأة الباعث على تكامل بعضهما ببعض، حيث إنّه هو المنسجم مع تكوينهما المبني على هذا التكامل بشكل واضح من خلال مئات الخصائص الجسدية والتشريحية الوظيفية الظريفة والأخرى النفسية والسلوكية التي لاءمت بين الجنسين، ولذلك كان مقتضى الفطرة - فطرة الخَلْق التي تتمثل في الجسد، وفطرة الخَلْق ونعني بها التكوين النفسي والسلوكي للإنسان ـ تكامل الرجل والمرأة.

٤. إنّ الضمير القانوني والأخلاقي للإنسان ينطوي على مبدأ العفاف عن أية علاقة غريزية عدا الاقتران الزوجي بين الجنسين ويستقبح التعلقات والاقترانات الشاذة استقباحاً شديداً وينظر إلى من يمارسها بعين الضعة والاستهجان والشذوذ والانحراف، ويرى أنّ الاقتران المشروع بل والمحبّذ هو الاقتران الزوجي بين الجنسين الذي جُهّزا له جسداً ونفساً وكانا بذلك مصنع الإنسان بإنجاب الأولاد واستمرار وجوده النوعي.

ه . إن الحكمة والصلاح الإنساني الشخصي والنوعي والتي قد أُلهمها الإنسان يقتضي جري الإنسان على مبدأ تكامل الرجل والمرأة حصراً، واعتبار الهوية الجنسية للإنسان وفق تكوينه الجسدي، وأنّ أيّ اتجاه مختلف لهو دون أدنى مبالغة خطأ فظيع في مسألة بنيوية في الحياة الإنسانية وفق المبادئ الراشدة للسلوك الإنساني الملائم والصائب وله آثار نفسية وتربوية واجتماعية كارثية ومدمّرة جداً للفرد وللمجتمع الإنساني.

٦. إنّ العلوم المختصة ذات العلاقة بالموضوع بغض النظر عن بعده الديني تؤكد جميعاً الرؤية الفطرية في أبعادها المتعددة الإدراكية والنفسية والتشريعية والأخلاقية والحكمية شريطة نضج البحث والانتباه إلى الأبعاد المتعددة للموضوع وسلوك المنهج الملائم مع الموضوع في كل واحد من أبعاده علماً أن الأبعاد المتعددة للموضوع توجب ارتباطه بعلوم متعددة ارتباطاً قريباً.




سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح ١، ص61 ـ ص64

تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني