الأسباب الأساسية في الاتجاهات الحديثة الخاطئة في التسوية بين الذكر والأنثى وإلغاء جميع الفوارق
2023-09-26

ويغلب الظن أنّ من الأسباب الأساسية في الاتجاهات الحديثة الخاطئة والآثمة والغاية التي ترمي إليها هي التسوية التامة بين الذكر والأنثى وإلغاء جميع الفوارق بالمقدار الممكن لينحصر الفرق بينهما في الجانب الجسدي المحسوس بعد تعريته عن أي معنى سلوكي ووظيفي واجتماعي تماماً استشعاراً للنقيصة من أي فرق آخر للمرأة عن الرجل! فألغيت معاني الأنوثة والرجولة وجُعلتا حالة معارة متاحة للرجل والمرأة.

وبذلك أفرغت هذه الاتجاهات الذكورة والأنوثة عن محتواهما وعن دورهما، وتم تفكيكهما إلى قطع متفرقة غير مترابطة بعد أن كانتا بحسب الفطرة كُلّاً مترابطاً في المستوى الجسدي والنفسي والوظيفي والأسري والاجتماعي مدعوماً بالأعراف الملائمة، وتشوّه بذلك جسد الإنسان، وتكدرت نفسه وتفككت الأسرة الإنسانية، وساءت أحوال المجتمع ولا سيما الأطفال الذين هم الجيل الصاعد، ولم يزل الأمر على أوّله بعدُ، ريثما تضع الأمور أوزارها وتظهر نتاجها عبر الأجيال القادمة، ولن يمكن إرجاع الأمور إلى نصابها في المجتمعات التي انزلقت بعد أن اتجه الناس إلى المسار الخاطئ، وتجذّر ذلك من خلال تغير الأعراف والثقافة الاجتماعية.


إنّ المرء ليجد بالتأمّل في الطروحات الحديثة أنّ كثيراً منها حقاً قبيحة تشمئز منها النفس البشرية النقية بفطرتها وتستحيي منها، ولكن من المؤسف أن بعض الثقافات الحديثة قد انمحقت فيها المشاعر الفطرية في الأمور الجنسية مثل حسن العفاف وقبح العهر وتصرفات معيبة أخرى واستخف فيها بمشاعر إنسانية راقية مثل صفة الحياء والغيرة ونحوها، ولذلك قد لا يجد المرء لغة مشتركة لمخاطبتها بالخطاب الوجداني المبني على هذه المعاني الفطرية الرائعة التي قدرت لها أدوار مناسبة ومؤثرة وأساسية في بُنية الإنسان والمجتمع الإنساني.

وإني لأرى بصدق أنّ مثل هذه الاتجاهات لهي ــــ دون تحامل ــــ واهنة إلى حد السخف والغباء، وهي مهزلة من مهازل الفكر البشري التي حدثت باسم العلم الرصين والحرية المستحقة للإنسان وليست منهما في شيء، اللهم إلّا صورة مستعارة وتجميلاً متكلفاً.



سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح١، ص ١٨ - ١٩

تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني