النجف الأشرف في كتابات الرحالة والباحثين الغربيين
2023-06-03

 مثلما زار الرحالة العرب والمسلمون حاضرة النجف الأشرف وكتبوا عنها زارها كذلك العديد من الرحالة والباحثين الغربيين وكتبوا عنها، فمثلا زارها الرحالة الفرنسي أوليفيه سنة ١٧٩٦م وكتب عن النجف الأشرف واصفا إياها بأنها مدينة كبيرة جداً قد تكونت حول المسجد ويسكنها العرب وغيرهم ويزورها من العجم بعدد يقدر بخمسة آلاف أو ستة آلاف وأنها أفضل شأنا من كربلاء (مزيد من التفاصيل أنظر: مدينة النجف في كتابات المؤرخين والجغرافيين المسلمين. د. رباب الحسيني. بحث ألقي في مؤتمر علمي عن النجف أقامته مؤسسة كربلاء للدراسات والنشر في لندن ونشر لاحقا مع بقية الأبحاث ضمن كتاب من مجلدين عن النجف).

 ويمم شطرها الرحالة البرتغالي (بيدرو تكسيرا) وقال متحدثا عنها في رحلته المعروفة ما يأتي: دخلنا مشهد علي في (شهر ربيع الثاني ١٠١٣ هـ / نهار السبت في الثامن عشر من أيلول سنة ١٦٠٤م) فقصدت خانا من الخانات الكبيرة التي كانت تشبه في شكلها ومنظرها العام الصوامع الموجودة في البلاد الأوربية، وقد كانت هذه المدينة كبيرة، فإن دورها كانت قبل ما يزيد على خمسين أو ستين سنة نحو ستة آلاف أو سبعة آلاف مبنية بإتقان في الغالب، فأصبحت لا يزيد عدد بيوتها على الستمائة فقط وإن آثار الأسواق العامرة المبنية بالطابوق كانت ما تزال شاخصة للعيان وإن الروضة الحيدرية كان فيها الكثير من النفائس الثمينة ومنها ثلاث ثريات من الذهب المطعم بالأحجار الكريمة، وكان عدد من الأمراء المسلمين والملوك قد أهدوها إلى الحضرة المطهرة مشيرا إلى أن النجف كانت تخضع في تلك الأيام إلى الأتراك، وأن الماء الصالح للشرب فيها شحيح إلى حد كبير (النجف في المراجع الغربية، موسوعة العتبات المقدسة ٦. قسم النجف: ١/ ١٩٤).

كما زارها الرحالة الألماني الشهير (كارستن نيبور) الذي دخل النجف الأشرف في (ما بين شهري جمادى ورجب من سنة ١٢٧٩هـ / ٢٢ كانون الأول من سنة ١٧٦٥م) فذكر في رحلته أن الماء الذي كان الناس يحتاجونه للطبخ والاغتسال - في النجف - كانوا يستقونه من قنوات خاصة تمتد في باطن الأرض، لكن الماء الصالح للشرب كان يؤتى به محمـلا عـلى ظهور الحـمـيـر مـن مسافة ثلاث ساعات. ومما يذكره عن عمران البلدة ان جهة من جهاتها يكثر فيها الكلس، الذي كان يحرق للحصول على مادة البناء منه، وان الخشب كان يندر وجوده ويرتفع ثمنه فيها. ولذلك كانت البيوت تشيد كلها بالطابوق والجص وتعقد سقوفها على شكل قبب وعقود، فتكون متينة البنيان عادة. وإن العلاقة بين أهل السنّة والشيعة في النجف وكربلاء كانت علاقة حسنة إلى حد غير يسير على انه يقول من جهة أخرى ان الشيعة كان لابد لهـم مـن أن يلزموا جانب الهدوء لئلا يغضب عليهم الباشا في بغداد. ولم يفت (نيبور)، وهو الرجل العالم المدقق، أن يرسم مخططاً خاصاً لمشهد عليّ كما يسميه يشير فيه إلى معالم البلدة المهمة وشكلها العام، فهو يشير قبل كل شيء إلى أنها كانت في تلك الأيام محاطة بسور غير عامر يمكن الدخول إلى البلدة من عدة فجوات فيه، وان هذا السور كان فيه بابان كبيران هما باب المشهد و باب النهر وباب ثالث يسمى باب الشام لكنه يقول ان الباب الأخير كانت قد سدت فتحته بجدار خاص. ويضيف إلى هذا قوله ان الشكل الخارجي للبلدة يشبه شكل مدينة القدس، وان سعتها تقارب سعة القدس أيضاً.





النجف الاشرف وحوزتها، ج1، ص44 ـ ص46

تأليف الدكتور عبد الهادي الحكيم