جري المجتمع الإمامي على التثبت في النقل عن الأئمة (عليهم السلام)
2023-05-31

جري المجتمع الشيعي الإمامي على التوثق والتثبت في أمر النقل عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من خلال الاهتمام بطرق نقل الرواية واسنادها، ثم بمعرفة أحوال الرواة والمحدثين والعلماء من حيث الوثاقة وعدمها.

فهذه ظاهرة أخرى غير ملائمة لإذعان هذا المجتمع بولد موهوم ومختلق للإمام العسكري (عليه السلام)، وذلك لأن الاعتقاد بمثل هذا الوهم من قبل أهل مذهبٍ ما يناسب عدم وجود الجرح والتعديل في أوساط معتنقي ذلك المذهب، كما نشهده لدى أصحاب المذاهب السريّة والغلاة، فوجود الجرح والتعديل المستند إلى أسس موضوعية في مذهبٍ ما يقتضي أن المذهب مبني على تحري الصدق والوثوق، ولا يسوغ الكذب والشك والشبهة.

وكون الشيعة الإمامية أهل تحرّ وتثبت في النقل منذ عصر الأئمة (عليهم السلام) أمر بديهي للغاية بأدنى اطلاع على تراثهم الداخلي.

حيث نلاحظ ...

أولاً: أنهم أهل إسناد، فهم إذا نقلوا رواية يهتمون بذكر طريق نقلها عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، و أن ذكر الإسناد بنفسه دليل على الاهتمام بتشخيص أحوال الرواة والوسائط في نقل الحديث، ولذلك لا تجد عند الفرق الواهمة كالغلاة أسانيد حقيقية في منقولاتها.

وثانياً: أنهم أهل جرح وتعديل للرواة كما يتمثل ذلك في كتبهم الرجالية المعروفة التي لم تزل موجودة حتى الآن كـ ( اختيار معرفة الرجال) للشيخ الطوسي وهو انتخاب من كتاب الكشي في الرجال الذي كان من رجال الغيبة الصغرى كالكليني صاحب الكافي، وكذلك فهرست الشيخ الطوسي ورجاله، وفهرست النجاشي.

وقد كان النقد الرجالي للرواة قد بدأ منذ عصر أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد كان الجرح والتعديل موجوداً على الإجمال في عصر الباقر والصادق (عليهما السلام) ـ الذي بدأ فيه التوسع في نقل الحديث وتدوينه عند الإمامية ـ حسب دلالة القرائن الواضحة، حتى ذكر أن جماعة من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) مثل صفوان بن يحيى ومحمد بن أبي نصر البزنطي ومحمد بن أبي عمير كانوا في تحري النقل الموثوق بدرجة أنهم لم يكونوا يروون إلا عن الثقات (العدة في أصول الفقه للشيخ الطوسي ج ١ ص : ١٥٤).

إلا أن التدوين في هذا العلم قد بدأ في عصر الإمام الرضا (عليه السلام) وألف فيه جماعة كعبد الله بن جبلة، وازداد التدوين واتسع حتى شمل الأحاديث المأثورة كلها، كما يعرف ذلك من الفهارس التي تذكر مصنفات الرجال.





منهج البحث والتحري في شأن الإمام المهدي (عليه السلام)، ج١، ص143ـ ص145

السيّد محمّد باقر السيستاني