سوق الحديث على وجه الخطبة
2023-05-27

والخطبة في المفهوم والنموذج الإسلامي خطاب يوجّه إلى جماعة أو جمهور ويبدأ بالبسملة والثناء على الله تعالى، وقد يُعقب في خطب الرسول (صلى الله عليه وآله) بذكر بعض ما يتعلق به، كما يُعقب في خطب من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) بالثناء عليه (صلى الله عليه وآله)، وقد يشتمل أيضاً على الموعظة والتذكرة، ثمّ يذكر المتكلم غرضه وينهي الخطبة، وتكون الخطبة عادة مؤلفة من جمل عديدة ولا تقل عن ثلاثة أسطر أو يزيد، وخطب النبي (صلى الله عليه وآله) فيما يبدو كانت غالباً مختصرة ومركزة، وهذا بخلاف غالب ما أثر عن الإمام علي (عليه السلام) فإنها خطب مفصلة.

وأصل الخطبة بالنحو المذكور الذي ساد في الإسلام مقتبس من جملة من سور القرآن الكريم فإنّه تعالى بدأ فيها السور (وقيل: إنّ البسملة جزء من سورة الحمد فقط والباقي أدب جرى عليه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في أوائل السور) بالبسملة وبالثناء على الله تعالى، فمنها ما بدأها سبحانه بالحمد كسورة الحمد والأنعام، ومنها ما بدأها بالتسبيح كالمسبحات، ومنها ما بدأها بوجه آخر من الثناء كسورة الملك، وذكر رسوله بعد الثناء على نفسه كما في سورة الجمعة: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّييِّنَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ] (سورة الجمعة: آية 2) .

وقد جرى النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً في خطبه على الثناء على الله تعالى بحمده، واتبعه الإمام أمير المؤمنين وزاد في كثير منها الثناء على رسوله، وذكر في بعضها - ولو في أثناء الخطبة أو آخرها - الثناء على أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً.

وللكلام على وجه الخطبة جمال خاص، حيث يلقي ذكر الله سبحانه والثناء عليه هيبة على الكلام، ويضفي عليه إيحاءات معنوية وتربوية، ويهيئ نفس المخاطب للإذعان بالحق، وقد كان لهذا الأسلوب وقع مميز في العصر الأوّل لكونه أسلوباً حديثاً غير شائع أو معهود، ولكن اعتاد عليه الناس في مثل عصرنا هذا فاختلف الأمر بعض الشيء.

وقد ساق النبي (صلى الله عليه وآله) كلامه في الغدير سوق الخطبة، فبدأ بحمد الله سبحانه والثناء عليه ومهد لما ذكره بالتذكير بأصول الدين من الإيمان بالله سبحانه واليوم الآخر من البعث والحساب والجنة والنار، إلى آخر ما جاء فيها.

 ولو شاء (صلى الله عليه وآله) لقال قولاً مختصراً كأحاديثه المعتادة، ولم يجعله على وجه الخطبة، ومن اقتضاءات الخطبة - لا سيما لجمع محتشد بعشرة آلاف وما يزيد عليها ـ أن يرتقي المتكلم إلى موقع يراه الجميع ويهيمن عليهم، وكان للنبي (صلى الله عليه وآله) في مسجده منبر يخطب عليه، وقد جاء في ذكر واقعة الغدير أنه (صلى الله عليه وآله) صنع مكاناً مرتفعاً وارتقى إليه وخطب بالحاضرين، وهذا يقتضي أن تكون الخطبة في موضع مميز بالنسبة إلى المخاطبين بها.




واقعة الغدير ( (1) ثبوتها ودلالاتها)، ص143 ـ ص145

السيد محمد باقر السيستاني