بناء الاعتقاد الإمامي على الوضوح في القيادة
2023-05-22

بناء الاعتقاد الشيعي الإمامي على الوضوح في قيادته ومقوماتها دون الكتمان والسرية.

وهذه ظاهرة أخرى تنافي افتراض إيمان الشيعة الإمامية بإمام مختلق وموهوم، وإنما الذي يلائم مثل هذا الافتراض الاعتقادات والمساعي السرية، لأن الأمور السرية يمكن التحكم بها في مثل هذه الحالة بشكل أكبر، كما يتفق ذلك في الحركات الثورية المسلحة قبل انتصارها، وكما في بعض التيارات المغالية أيضاً، بينما كان طابع المذهب الإمامي في قيادته وأهل العلم فيه وجمهوره على خلاف ذلك.

فلقد واظب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على الظهور الاجتماعي وتجنب الاختفاء والسرية رغم علمهم بتوجه الخطر إليهم من جهة السلطة، ولذلك نلاحظ أن أحداً منهم لم يسعَ إلى التخفي عن السلطة والارتباط السري مع شيعته، رغم وضوح خطورة الأجواء في زمان الأئمة(عليهم السلام) بعد الصادق (عليه السلام)، حيث كانت السلطة تقبض عليهم فتسجنهم أو تستقدمهم واحداً بعد واحد إلى دار الخلافة ليكونوا بقرب الخليفة، حتى آخر إمام ظاهر وهو الإمام العسكري (عليه السلام) الذي استشهد عن ثمانية وعشرين عاماً فقط بعد رقابة وسجن وتضييق.

ومن المعلوم أن صنيع السلطة هذا لم يكن مفاجئاً لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فهم كانوا يتوقعون شعور السلطة بخطورتهم وقد لاحظوا ما فعلته مع آبائهم، لكنهم مع ذلك لم يختفوا حفاظاً على أنفسهم، بل مارسوا الإمامة والقيادة طيلة قرنين ونصف من الزمن وهم ظاهرون للناس مهما كان الأمر خطراً عليهم، حذراً من تطرق الأوهام والخرافات والاستغلالات الخاطئة إلى أوساط الشيعة.

ولم تكن قيادتهم للشيعة الإمامية في أصلها أمراً خفياً، إذ لو كان كذلك لم تميزهم السلطة عن سائر رجال العلويين، ولم تسجنهم أو تستقدمهم إلى مراكز الخلافة وتقتلهم بالسم، على أن الشيعة كانوا يزورون الأئمة (عليهم السلام) في المدينة وسائر مواطنهم، وكانت لهم - أي الشيعة - مجالس اعتيادية غير سرية في الحديث والرواية عنهم (عليهم السلام) كالحلقات التي كانوا يعقدونها في مسجد الكوفة ويحدثون عن الإمام الصادق (عليه السلام)، فلم يكن ذلك أمراً خافياً عن السلطة آنذاك.

ولذلك كان انتماء رجال الشيعة من علماء ومن عامة الناس عموماً إلى المذهب الإمامي واضحاً للمجتمع العام وللسلطة.

ولا ينافي ما ذكرنا أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يسعون إلى كف أذى السلطة عن أنفسهم ما استطاعوا، ومن مظاهر هذه المساعي..

 ١- أنهم (عليهم السلام) كانوا يحذرون من نقل كل ما يقولونه للسلطة وأتباعها، بل إنهم ربما تصرفوا بشكل يوحي للسلطة وللجهات الأخرى التي لا تتحمل طرح الاصطفاء الإلهي لأهل البيت (عليهم السلام) أن هؤلاء الشيعة وإن كانوا يأخذون عن الأئمة (عليهم السلام) لكنهم ليسوا جميعاً موثوقين في كل ما يروونه عنهم بالضرورة.

٢- أنهم (عليهم السلام) كانوا أحياناً يمتنعون عن الإجابة عن بعض الأسئلة رعايةً للظروف، ويؤكدون دائماً أنه وإن كان على الشيعة أن يسألوا، لكن يبقى لهم (عليهم السلام) حق أن يجيبوا أو أن يمتنعوا بحسب ما تقتضيه الحكمة من مراعاة الظروف آنذاك.

3ـ أنهم (عليهم السلام) ـ وفق بعض الشواهد - كانوا ينتقدون بعض أهل العلم أمام الآخرين، ويبلغونهم لاحقاً أن هذا كان كفعل الخضر (عليه السلام) في خرق السفينة وقاية عن الظالم، كما وقع ذلك في شأن زرارة بن أعين.  

٤- أنهم (عليهم السلام) ربما أوصوا شيعتهم بوصايا مختلفة في الأمور الموسعة في الشريعة الظاهرة ليتراءى الاختلاف بينهم أمام السلطة، وتلك حالات كانوا مضطرين إليها للحفاظ على أنفسهم وتلامذتهم وعموم أتباعهم.

فكل هذه الأمور وأمثالها لا تنافي وضوح أن هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) كانوا قادة معروفين للشيعة الإمامية على الإجمال، وكانوا يمثلون المرجعية الدينية والعلمية

لهم.




منهج البحث والتحري في شأن الإمام المهدي (عليه السلام)، ج١، ص140ـ ص142

السيّد محمّد باقر السيستاني