شروط قيام الدعوة وإسماع صوتها
2023-05-16

 أن كل دعوة لا تنهض بنفسها وتقوم على ساقها، بحيث يُسمع صوتها، ويتعرف عليها، ويُعلم أنها على حق أو باطل، إلا بأن تتبناها جماعة معتد بها تدعو إليها وتسعى في نشرها والتعريف بها.

 وهذه الجماعة طبيعياً على أقسام ثلاثة:

أولها: أهل البصائر الذين يتبنونها بإصرار ويثبتون عليها، ويضحون في سبيلها، مهما كلفهم ذلك، ويصمدون أمام المغريات والمثبطات مهما بلغت من قوة وعنف.

ثانيها: من يقتنعون بها كحقيقة ثابتة، قناعة تامة، وقد يضحون في سبيلها. لكنهم كثيراً ما ينهارون أمام المغريات والمثبطات، فيخذلونها أو يتخلون عنها، بل قد ينقلبون عليها، ويجدون في محقها.

قال الله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ أَطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ أَنقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (سورة الحج الآية: ١١). وقال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) (سورة الأعراف الآية: ١٧٥). وشواهد ذلك في الدعوات الدينية وغيرها كثيرة لا تحصى.

ثالثها: المنافقون والانتهازيون الذين لا يؤمنون بالدعوة، بل همهم من أول الأمر مصالحهم أين كانت. وهم قد يتربصون بالدعوة الدوائر، فيحرفونها من أجل مصالحهم وأطماعهم، أو ينقلبون عليها علناً إذا لم تخدم مصالحهم أو صارت ضدها.

ومن الظاهر أن القسم الأول أقل القليل. وهم لو بقوا لوحدهم أعجز من أن ينهضوا بالدعوة، ويوصلوها لعموم الناس، ويبلغوهم بها ويسمعوهم صوتها، فضلاً عن أن يقنعوهم بها. ولابد مع ذلك من الاستعانة بغيرهم من القسمين الآخرين.

ومن الظاهر أن تمييزهم وتمييز أحد القسمين الآخرين عن الآخر أمر متعذر غالباً. بل لو أمكن صاحب الدعوة ذلك ـ ولو بالاستعانة بالوحي الإلهي في الدعوات الدينية - لصَعُب عليه إعلانه، لأنه يكون مثاراً لاتهامه بالتحيز من قبل بقية الأقسام، خصوصاً المغفلين من القسم الثاني، ومثاراً للتهريج والتشنيع عليه، بحيث قد ينتهي الحال بسلب الثقة به، فيتعثر مشروعه، حتى قد ينتهي بالفشل، ويقضى عليه في مهده.




خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) ص161 ــ ص163

اية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدس سره)