الحوزة العلمية معنى ومصطلحاً
2023-05-09

يحسن بي أن أبدأ حديثي بتحديد مصطلح (الحوزة العلمية) بعد أن تداولته وسائل الإعلام المختلفة، وفسرته بعضها عن قصد أو بدونه على هواها، وخاصة إثر بروز مدينة النجف الأشرف ومرجعيتها الدينية كصانعة لحدث كبير في العراق، وحاضرة حضوراً فعلياً خارجه، مما لا يمكن تجاوزها أو تخطيها أو القفز عليها بحال من الأحوال.

تعد (الحوزة العلمية) الوسط العلمي المنتج والحاضن معاً للساعين إلى الخروج من عهدة التكليف الإلهي بالنفر الوارد في قوله تبارك وتعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (سورة التوبة/ آية 121) من الباذلين جهدهم لدراسة وتدريس علوم الشريعة الإسلامية الغراء، متفقهين في الدين، ومبلغين به، ومرشدين إليه من المتخلقين بأخلاق الإسلام وآدابه، الداعين إلى الله جل اسمه بالحكمة والموعظة الحسنة.

 وهي تعني أيضاً فيما تعنيه: مركز التعليم الديني الذي يتبع في طريقة تعليمه النهج الذي تربى عليه الفقهاء السابقون منذ العصور الإسلامية الزاهرة حتى العصر الحاضر، متخذة من نظام الحلقات في الغالب شكلاً لها، متبعـة نظــام الدراسة التامة، بأن يبحث الموضوع ثم يعاد بحثه في كتب لاحقة متعاقبة، مع توسعة متدرجة، متخذة من شرح عبارة الكتاب المقرر وتحليلها والغوص في مداليلها ومعانيها طريقة للتدريس، متيحة للطالب الحرية المطلقة في المناقشة، مانحة إياه الفرصة المثلى لاختيار الأستاذ الذي يشاء، وتحديد الزمان، والمكان للدرس بالاتفاق بين المعلم والطالب المتعلم، ساعياً من وراء دراسته لنيل رضا الله عز وجل في دنياه وآخرته، مبتغيا تحصيل المعارف الشرعية، زاهدا بملذات الدنيا الفانية وزخارفها، أو هكذا هو المفترض بالحوزي، بيد أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال صدق انطباق عنوان نية القربة الى الله عز وجل، والإخلاص والواقعية، والتجرد، والزهد واستفراغ الوسع في البحث والدراسة، والعلم والعمل على جميع الحوزيين طلاباً، وغير طلاب.

والحوزة العلمية في الوقت نفسه هي ذراع المرجعية، والوجــود الـرابــط أو الحلقة الموصلة بين المرجع الديني المجتهد ومقلّده، والحكم الشرعي ومتبعه، والعالم بأصول الشريعة وفروعها والمتعلم.



حوزة النجف الاشرف، ص18، 19

تأليف الدكتور عبد الهادي الحكيم