عوامل عدم الانتباه إلى المؤدى الدقيق للخطاب
2023-05-08

وهناك عدة عوامل لعدم انتباه الناظر في الخطاب إلى حقيقة مؤداه:

1ـ عدم اتصاف الناظر بالذوق الأدبي اللازم لفهم الكلام، وتلك حالة معروفة يكثر وقوعها حتى في أوساط بعض أهل العلم من المفسرين للقرآن الكريم والحديث النبوي كما يظهر بالممارسة والاطلاع.

2 - عدم انتقال الناظر في الخطاب أحياناً إلى دلالات المفردات والأساليب المستخدمة في الخطاب من جهة تلقي الفكرة الصائبة في منظوره من خارج الخطاب وفق المعهوديات الذهنية السابقة، وذلك ضرب من الفهم والتفسير

بالرأي.

3- حيلولة موانع فكرية ومذهبية دون الفهم الملائم للنص.

 ومن نماذج ذلك ـ على سبيل المثال - ما طرحه بعض المفسرين من المناقشة في دلالة آية الولاية على مكانة مميّزة للإمام علي (عليه السلام) بدعوى عدم نظر الآية إلى واقعة جزئية، واستند في ذلك إلى التعبير بالجمع : [وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ] (سورة المائدة: آية ٥٥)، ولم ينتبه إلى أن طبيعة هذا الحدث (دفع الزكاة في حال الركوع) تلائم كونه واقعة خاصة، والتعبير بالجمع إنّما هو أسلوب أدبي يجعل الحالة الخاصة حالة عامة إما تجنباً عن ذكر التركيز على الخصوصية كي لا تثير حساسية الآخرين أو تشويقاً للآخرين للتأسي بهذا الفعل الكريم ليندرجوا في الثناء في الآية.

4- حجاب الغيبة والتاريخ، والمراد بذلك أنّه قد يُبتلى الناظر بالتكلّف في التعامل مع النص، لأنه لا يشهد النص وتأثيراته في مشاعر الحضور على وجه حي، وإنما يتأمله كنص علمي، ولو كان في مشهد النص أو عاشه لانتقل إلى مراميه ودلالاته، ولذلك نجد أن من الناس من إذا أراد أن يتكلم بشيء يثبت عليه دقق كثيراً في انتقاء المفردات الملائمة، ولكنه إذا نظر في كلام الآخرين لم يعمل هذا التدقيق في مقام فهمها، كما أنّ من الناس من إذا كان معنياً بالنص بمعنى ـ أن النص يتعرض له ولمنافسه بتلويح أو تعريض في ثناء أو عتاب ـ تحسّس من دلالاته وانتقاءاته في المفردات والأسلوب، لكن إذا لم يكن يعنيه بمعنى النص فإنّه لا يجد مثل ذلك.

ولذلك كان تصوير المشهد على وجه حي، وانتقال المرء بنفسه إلى تاريخ الحدث والخطاب حتى كأنّه من حضوره قد يساعد على فهم الدلالات الحقيقية للنص.

ه - عدم الالتفات إلى حراجة الموضوع وحساسيته في أجواء الخطاب، فإنّ هذا العامل بطبيعته يؤدي إلى الغفلة عن الانتباه إلى مرامي الخطاب.

والوجه في ذلك أنّه يزداد اشتمال الكلام على الملاحن والمعاريض والدلالات الذكية في الموارد الحرجة والحساسة التي يسعى المتكلم فيها إلى تفهيم الشيء بطريقة ملائمة لا يجرح شعور المخاطبين ولا يثيرهم، فلو أراد الثناء على شخص ممن ينافسه ولا يعتقد به فإنه سينتقي ! الألفاظ المعبّرة عمّا

يريده بحذر.

ولذلك فإنّ من المهم في النصوص التاريخية الانتباه إلى ظروف النص وبيئته وانطباعات المجتمع المخاطب به في شأن موضوعه، وهذا كله مما يجده الباحث بالاطلاع والممارسة والذوق الأدبي.





واقعة الغدير ( (1) ثبوتها ودلالاتها)، ص139 ــ ص 142

السيد محمد باقر السيستاني