تأمّل المشهد السياسي في عصر النبي (صلى الله عليه وآله)
2023-03-20

ولقد كان المسلمون في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا التنويع كما يظهر من القرآن الكريم، إذ كانت ظروف النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين صعبة، إذ كان هذا ديناً جديداً مبتلىً بمحاربة عامة العرب له وظروف الحرب والقتال والضيق، وهي ظروف تُولّد الشبهات والفتن بطبيعتها، وقد كان هناك منافقون يؤمنون بظاهر كلامهم ويبطنون الكفر في قلوبهم ويلقون الشبهات في أوساط المؤمنين ويثيرون أسئلة يجيبون عليها باجوبة خاطئة، كما كان في المجتمع أهل الكتاب الذين كانوا يحسنون اللغة الدينية وكيفية المجادلة بالحق والباطل في الدين وأساليب التمويه والتلبيس والزيادة والنقصان بما يوقع الشبهة بين أوساط المسلمين كما حكى الله سبحانه كل ذلك في القرآن الكريم.

وكان هناك في المؤمنين من هو على حافة الإيمان، فهو يزل بأدنى شك وشبهة، وقد يتأثر بما إذا أصاب مصلحة في أثر إيمانه فيقوى إيمانه وإذا أصابه ضرر تراجع عن الإيمان أو تزلزل في عقيدته لعدم رسوخ العقيدة في عقله وقلبه، وهؤلاء هم بعض الذين جاء أنهم آمنوا ثم كفروا، كما كان هناك فريق من المؤمنين لم تزل رواسب العصبية قائمة في نفوسهم، فإذا أثيرت لديهم ثاروا في اتجاهها ولم يأبهوا بوظائفهم.

وقد حثّ الله سبحانه المؤمنين على أن يتلقوا تحليل الحوادث من أهل العلم ويحذروا الشبهة والفتنة.

ومن المقاطع القرآنية الرائعة في ذلك ما نزل في فقرة من سورة النساء نزلت فيما يبدو في الإعداد لفتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، قال تعالى: [مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظٌا * وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا] (سورة النساء: آية 80-83).




واقعة الغدير ( (1) ثبوتها ودلالاتها)، ص112-ص114

السيد محمد باقر السيستاني