الإرادة الحرة للإنسان وفق رؤية الدين
2023-03-15

والمراد بها أن الإنسان قادر على التحكم في أفعاله، ولا ينزلق إليها قهراً وفق عوامل جاهزة وقاهرة سواء المودعة في ذاته أو التي يكتسبها من خلال البيئة الاجتماعية والطبيعية، فهذه العوامل إنما هي دواعٍ نفسية يكون الإنسان حراً في الانسياق وراءها والاستجابة لها.

 وهذه أيضاً خصلة بديهية للإنسان وفق الإدراك الإنساني العام. وعليها تتفرع مسؤولية الإنسان عن أعماله، واستحقاقه اللوم والعقاب في خطاياه، والمدح والثناء والمكافأة في حسناته، فلن يعفي العقلاء أحداً من مسؤولية أعماله على أساس دعوى أنه انساق إليها قهراً.

 ويتفرع على هذه الخصلة قابلية الإنسان لتنمية نفسه وبنائها ليسلم عن الخلل ويصل إلى مراحل الكمال كما يبتني على ذلك علم التنمية البشرية المعاصر.

 وهناك بعض الباحثين - في علوم الطبيعة - أنكر الإرادة الحرة للإنسان وادعى أن الإنسان ينساق إلى ما يعمله وفق غرائزه والمؤثرات عليه دون أن تكون له قدرة على الانفلات منها، وذلك خطأ فاحش وواضح للوجدان العام، ولن يجري عليه قائله نفسه في تعامله مع نفسه ومع الآخرين، فهو قد يعاقب نفسه على فعله ويؤنبها على خطيئته ويتحمل مسؤولية عمله، كما أنه يفعل مثل ذلك تجاه ما يصدر من الآخرين. فالدين يرتكز على اتصاف الإنسان بالإرادة الحرة وقدرته على مجاهدة نفسه وتهذيبها وتحليتها بالكمالات والقيم الفاضلة، وعلى تحميله مسؤولية خصاله وتصرفاته جميعاً، كما قال تعالى بعد القسم بالكائنات المحيطة بالإنسان: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهْمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (سورة الشمس : ۱۰-۷) ، وقال سبحانه: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ (سورة الإنسان : ٣) ، وقال عز من قائل: ﴿قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظ ) (سورة الأنعام : ١٠٤)، وقال جلت آلاؤه: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) (سورة الزمر : ٤١)، وقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد) (سورة فصلت : ٤٦)، وقال سبحانه: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (سورة الكهف: 29).



معرفة الدين (سلسلة محاضرات فكرية)، ص32-35

السيد محمد باقر السيستاني