اكتشاف سبب انطفاء دلالة الأشياء على الخالق
2023-03-12

وهذا هو السبب الذي يؤدي إلى عدم انتقال الإنسان إلى دلالات الكون والكائنات على وجود الصانع القدير؛ فإن الإنسان يولد ويشب ويكبر وهو في أحضان هذا الكون ونظامه ونسقه فلا يستثيره ما ينطوي عليه من الحالات البديعة والتناسق المميز والنظام المتماسك، بل يُعدّ ذلك أمراً طبيعياً.

ولهذا ترى أنه يطبق قانون : (لكل حادث سبب) في كل شؤون الحياة الخاصة والعامة وفي الأبحاث العلمية وغير ذلك، إلا أنه إذا وصل إلى الحديث عن منشأ ولادة الكون والكائنات فقد يجوز أن (يحدث شيء من لا شيء)، مع أن بداهة العقل الذي يدرك هذه القضية تشهد على أنه لا فرق بين شيء وشيء، فالحدوث أمر يحتاج إلى سبب، ولن يوجد شيء تلقائياً من غير سبب يؤدي إليه، فهذه الفكرة بديهية للغاية، ولكنها في سائر مجالاتها لم تخفت دلالتها بفعل المعايشة والاعتياد، ولهذا يذعن الإنسان بها، ولكنه إذا انتقل إلى أمر الكون والكائنات ونظمها - وهي أعظم من كل الحوادث التي يعتبر وجود سبب لها بالبداهة حتى إذا لم يدرك لها سبباً فعلاً ـ فإنه قد يستسيغ فكرة أن ينشأ شيء من لا شيء.

إن هذا التجويز لا ينشأ عن وجود استثناء منطقي في قاعدة (إن لكل حادث سبباً) بأن يقال: (إلا في أصل وجود الكون ونظمه وقوانينه)، فإن هذا الاستثناء لا معنى له منطقياً، وإنما ينشأ من جانب نفسي، وهو غياب الشعور بالدلالة في هذا المورد، نتيجة المعايشة والاعتياد، فلا يستطيع الإنسان أن يرتقي من الحوادث المادية التي يشهد حدوثها إلى تأمل عام يجري في الأمور التي يعيشها.




أفي الله شكٌ (سلسلة محاضرات فكرية)، ص27،26

السيد محمد باقر السيستاني