بيان العامل النفسي لانطفاء دلالة الأشياء
2023-03-11

 إن السبب في ذلك عامل نفسي، وهو أثر الاعتياد في إطفاء دلالة الأشياء، لا سيما في الأمور المهيمنة على حياة الإنسان التي يحتاج فيها لشيء من الارتقاء في تفكيره إلى مستوى أوسع لكي يدرك ما فيها من دلالات.

 ونمثل لذلك بفكرة بسيطة وميسرة ومشهودة في أحوال الطفل، إذ أننا نجد أن الطفل بعد أن يعي بعض الوعي يسأل عن الأمور التي يلتفت إلى جدتها وحدوثها ـ انطلاقاً من فكرة: أن لكل حادث علة ـ فهو إذا وجد ثوباً جديداً أو لعبة جديدة سأل عمن جاء بها، وإذا وُلد له أخ يسأل: من أين أتى هذا الوليد؟ وكذا الحال في كل ما يلفت نظره ويعنى به ويشهد حدوثه بعد غيابه، أو فقدانه بعد وجوده.

 ولكننا لا نجد الطفل في بداية وعيه يسأل عن منشأ وجوده هو ولا عن الأشياء التي عهدها من قبل من ثياب وغرفة وأبوين وغير ذلك، بل لو سُئِل عن مثل ذلك من قبل والديه لتعجب، وكأنه يقول: إن وجود ذلك أمر طبيعي فلماذا السؤال؟!

مع أنه ليس هنالك فرق يُفرض بين الثياب واللعب القديمة وما استجد له مثلاً، ولا بين الأخ الجديد وبين نفس الطفل أو إخوته الذين هم في مثل عمره أو أكبر منه. وليس السر في ذلك إلا أنه أنس بهذه الأشياء ووجدها جاهزة دون تلك الأخرى، فهو لا يستطيع أن يرتقي إلى آفاق عُليا ويقيس أشياء بأشياء أخر من منطلق تماثلها

المنطقي.

ولو ازداد عمره ونما وعيه لرأيت أنه يتدرج في طرح هذه الأسئلة ولا يقنعه تهرب الوالدين من الجواب.

 وكذلك الحال لو أن الوالدين أثارا في ذهنه هذه الأسئلة، فترى أن ذهنه يتحفز للتفكير في هذه الأشياء ويرتقي إلى تلك الآفاق فيزول أثر الاعتياد والمعايشة والمعهودات الذهنية في إطفاء دلالات الأشياء.



أفي الله شكٌ (سلسلة محاضرات فكرية)، ص24-26

السيد محمد باقر السيستاني