إن للسعي المعرفي أثرين لا يخلو منهما، وهما:
۱ - إصابة الواقع الذي عرفه الإنسان وترتب آثاره الإيجابية من تحقيق صلاح أو دفع مفسدة وضرر.
وبالنظر إلى هذا الأثر يجب تحصيل المعرفة بحكم العقل لأجل إدراك هذا الواقع، متى كان تحصيل هذا الواقع أمراً حكيماً وفاضلاً. ونعبر عن هذا المعنى بالترابط الفطري بين الاهتمام المعرفي بالأشياء والاهتمام السلوكي بها، بمعنى أنه متى كان السلوك الخاص أمراً مهماً فإنّ المعرفة المساعدة على هذا السلوك تكون مهمة أيضاً.
وذلك في حالتين:
الأولى: أن تكون المعرفة راجحة لذاتها، كما في معرفة الإنسان بأبويه، فإن هذه المعرفة نفسها تسعد الإنسان كما أنها تسعد أبويه، فهما يحبان أن يعرفهما من أولداه، فهي بذلك أداء لحقهما وتكون عملاً حكيماً وفاضلاً.
الثانية أن تكون المعرفة مقدمة لسلوك حكيم وفاضل، فقد يستطيع الإنسان من رعاية الحكمة والفضيلة من دون حاجة إلى بحث ومعرفة ولا مضاعفات مكلفة، كما لو احتمل التضرر من خطوة غير ضرورية وهو يستطيع من الفحص عن الضرر فيها وعدمه ولكنه يُعرض عن تلك الخطوة فيأمن الضرر، أو يحتمل انتهاك حق بالرمي العشوائي لاحتمال وجود من يمكن أن يصيبه الرمي، وهو يستطيع من الفحص عن وجوده وعدمه، لكنه يترك الرمي فيأمن انتهاك الحق، ففي مثل هذه الحالات يستطيع الإنسان الاستغناء عن البحث والتحري.
ولكن قد لا يحسن الإنسان العمل الحكيم أو الفاضل إلا بشيء من البحث والمعرفة به والاطلاع عليه، كما لو لزمه أن يزور صديقاً له وفاءً لحقه لكنه لا يعرف أين يقع بيته فيسأل عن ذلك ليعرف مكان بيته ويقوم بزيارته.
وقد يستطيع المرء من إدراك الواقع المنظور من غير كسب معرفة، وذلك من خلال التحوط والحذر، ولكن التحوط فيه يكلّفه كثيراً فيكون من الحكمة أن يحصل على المعرفة اللازمة حتى يتجنب التكلفة، وهذا هو الغالب.
وقد تساعد المعرفة على تحصيل الداعي الكافي، فهي تشجع الإنسان على العمل والالتزام، لما يكتسبه المرء بالمعرفة من اليقين والاعتقاد.
ففي مثل هذه الحالات يرجح أو يلزم على الإنسان أن يسعى إلى تحصيل المعرفة لتساعده على إنجاز السلوك الحكيم والفاضل.
۲ - معذورية الإنسان تجاه فوات الواقع في حال خطأ ما انتهى إليه وعدم وصوله للواقع.
فإنّ من تحرّى أمراً وأخطأه كان معذوراً وفق المنطق الفطري، وكذا من تحرّى أمراً ولم يصل إلى نتيجة يثق بها في شأنه لم يلزم عليه رعايته إلا أن يكون أمراً خطيراً تلزم رعايته بمجرد الاحتمال.
فهذان أثران للسعي المعرفي يترتب أحدهما لا محالة، وهما إصابة الواقع أو معذورية المرء تجاهه.
إذن السعي المعرفي للإنسان ينتج إما إصابة الواقع أو المعذورية تجاهه.
وعليه: نستنتج مما تقدم: حاجة الإنسان إلى الاهتمام المعرفي بالأشياء وفق المنطق العقلي الفطري.
أهمية البحث عن الدين (سلسلة محاضرات فكرية)، ص17-21
السيد محمد باقر السيستاني