عوامل حفظ واقعة الغدير رغم مساعي كتمانها وتحريفها
2023-01-08

هناك عدة عوامل ساعدت على حفظ هذه الواقعة وأخواتها من الأحاديث المهمة الواردة في مكانة أهل البيت (عليهم السلام) في هذه الأمة، وساعدت على بقائها في مقابل التحديات التي واجهتها من قبل الخلفاء والساسة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) من المنع من تدوين الحديث ونشره على وجه عام، ثمّ ما يختص بفضائل الإمام علي (عليه السلام) على وجه خاص، ومن أهم تلك العوامل:

 الأول: وقوع بعض أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) عن أهل البيت (عليهم السلام) في وقائع تاريخية جماهيرية وهو فيما يبدو كان أمراً مخططاً من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) لأجل بقائها.

ومن مصاديق تلك الوقائع هو واقعة الغدير، فقد كانت هذه الواقعة جزءاً مشهوداً من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) إذ كان حدثاً جماهيرياً ذا ملابسات فارقة، ولم يكن قولاً حدّث به بعض أصحابه، ولا حدثاً اعتيادياً في المسير، بل كان حدثاً مفاجئاً قيل إنه غيّر لأجله الطريق بعض الشيء، وجمع لإلقائه من حضر حتى عرف المكان وهو غدير خم بهذه الواقعة في التاريخ، ويبدو في خصوص هذه الواقعة أنّه (صلى الله عليه وآله) كان معنياً بهذا النوع من الاهتمام الخاص ليكون حدثاً تاريخياً يتعذر محوه من ذاكرة الحضور ومن بعدهم، وإذا كان نادر من أصحاب السير كابن هشام في السيرة النبوية قد تجرّأ على حذفه فقد ارتكب خطأ فاحشاً.

الثاني: إحياؤها من قبل أهل البيت (عليهم السلام)؛ كما تصدى لذلك أمير المؤمنين بعد توليه الخلافة في خطبه التاريخية التي ألقاها على جمهور أهل الكوفة المجموعة في نهج البلاغة، ومثل ذلك فعل ذريته (عليهم السلام) إذ رووا هذه النصوص وأكدوا عليها.

الثالث: إن نصب الأمويين العداء لأهل البيت (عليهم السلام) مبكراً ـ من خلال سبهم، وتكفيرهم، وسعيهم إلى إكراه الصحابة وسائر المسلمين على ذلك. أدى إلى ردّ فعلٍ من بعض الصحابة لاحقاً، ومن المتوقع أن ذلك من أسباب رواية سعد بن أبي وقاص لهذا الحديث - فقد طلب معاوية من سعد أن يسبّ الإمام (عليه السلام) فامتنع ذاكراً بعض ما شهده من أقوال النبي (صلى الله عليه وآله) المميزة في حقه، كما يظهر مما أورده مسلم في صحيحه، وأحاديث أخرى وكذلك الحال في رواية عبد الله بن عباس فقد جاء في مقام إنكار سبه (عليه السلام) الذي أشاعه معاوية وبنو أمية من بعده بين جمهور المسلمين (لاحظ مثلاً: صحيح مسلم: ۱۲۰/۷).

الرابع: وجود روح الإنصاف والالتزام والتحري في فريق من أهل العلم من الجمهور أبوا معه أن ينفوا أصل هذه الحادثة أو يشككوا فيها، أو يتوسعوا في المبررات المذهبية لكتمان الأحاديث الواردة في شأن أهل البيت (عليهم السلام) كما كان شائعاً ومحموداً في أوساط جماعة واسعة من أهل الحديث؛ لأنهم وجدوه إنكاراً غير مقبول للتراث التاريخي والحديثي المحفوظ عن السيرة النبوية، وخروجاً صارخاً عن الموازين العلمية في رواية الأحاديث وتوثيقها، ومخالفاً مع ما اتفق عليه المسلمون من الأمر بمودة النبي (صلى الله عليه وآله) في قرباه وأهل بيته (عليهم السلام)، فإن ذكر ما ورد من النبي (صلى الله عليه وآله) في حقهم وفي مكانتهم من جملة مصاديق المودة، حتى أن بعض أهل العلم تحملوا أذى كثيراً من المجتمع المتعصب للخلفاء بالجهل، لكنهم لم ينثنوا عن رواية هذه الواقعة وحكايتها.




واقعة الغدير ( (1) ثبوتها ودلالاتها)، ص99-102

السيد محمد باقر السيستاني