ضرورة الاطلاع على المجتمع الإمامي ودراسة مقوماته واهتماماته وتراثه
2023-01-07

إنّ من الضروري في هذا البحث الاطلاع المناسب على رجالات الإمامية ووجوههم، ومحدثيهم، ومدرستهم، وحركة التأليف والتصنيف عندهم، وظاهرة الجرح والتعديل لديهم، وذلك لأننا نتحدث في أمر ولادة الإمام (عليه السلام)، وإبلاغ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عنه وعن استتاره وغيبته، وتواصله مع الشيعة من خلال بعض رجاله.

 فمن الواضح أن رجالات الإمامية هم الذين من المفترض أن يهتم أئمة أهل البيت بهم - ولا سيما الإمام الحسن العسكري ثم الإمام المهدي (عليهما السلام) ـ وأن يقنعوهم بولادة الإمام (عليه السلام) ووجوده وغيبته، دون السلطة السياسية التي كانت تراقب عن كثب مسير الإمامة في هذا الخط القيادي العلوي الفاطمي، ودون باقي المجتمع الإسلامي ممن ليس معنياً بوجود الإمام (عليه السلام)، لأنه لا يمثل مرجعية دينية وعلمية وسياسية بالنسبة إليه.

ومن المعلوم أن أدوات هذا الإقناع تكون إلى حد كبير أدوات داخلية تتعلق بهذا المجتمع.

فإذا لم يستطع الباحث الانتباه إلى ذلك فمن الطبيعي أن لا يصل إلى نتيجة ملائمة ويخطئ الواقع، ويذهب ذهنه بعيداً في احتمال الزيف والخداع والتلبيس من قبل جماعة معينة كما يقع في بعض الحركات السرّية.

نعم من المعقول أن يتوقع الباحث وجود شواهد في التاريخ الإسلامي العام مساعدة على مصداقية هذا الخط وانتمائه إلى قادته من أهل البيت (عليهم السلام) توجب الثقة به، نظراً إلى أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يُعنون بمداراة الخط السياسي للسلطة ومداراة الخط العام للمسلمين المنحرف عن اصطفاء أهل البيت (عليهم السلام)، إضافة إلى اعتنائهم بأن لا يكون الشيعة جماعة سرية باطنية غامضة في انتمائها وإعلامها وكتبها وحججها، بل كانوا يسعون إلى أن يكون هذا الخط واضحاً ومشهوداً ومبنياً على تحري العلم والحديث والصدق بحيث يصلح لهداية المتبصرين الذين يحتملون هذا الواقع المهجور والحقيقة المضيعة، ويعرفون الرجال بالحق ولا يعرفون الحق بالرجال، كما كان ذلك دأب الأنبياء والأوصياء قبلهم عندما لم يسمح الاتجاه الغالب على أممهم بتبوئهم موقعهم المناسب لهم، فاضطروا إلى مداراة الوضع العام وأداء دورهم في نطاق الخاصة القادرين على استيعاب الحقيقة، كما هو معروف في التأريخ الديني لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين.

والواقع أن هناك شواهد مقبولة فعلاً في التأريخ الإسلامي العام على مصداقية هذا الانتماء إلى هؤلاء الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، لدلالة الوقائع التأريخية الواضحة على أن هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) كانوا ضمن سلسلة قيادية لطائفة كبيرة من الأمة الإسلامية، وكان هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) فعلاً يقودون - قبل طرو الغيبة - هذا المجتمع ويوجهون سيره وعقائده.



منهج البحث والتحري في شأن الإمام المهدي (عليه السلام)، ص60، 61

السيد محمد باقر السيستاني