رؤية الدين عند الانسان وتغليب الضمير الأخلاقي
2023-01-05

ويعبر عنه أيضاً (بالوجدان). وهو ما يشتمل على القيم الفاضلة التي ينبغي أن يعمل عليها الإنسان ويتخذها دستوراً في حياته، ويحكمها في سلوكه وتصرفاته، ويغلّبها على غرائزه ورغباته، فالإنسان ليس كائناً غرائزياً على حد الحيوانات تسوقه غريزة الأكل والشرب والتزاوج والراحة ونحوها، بل جُهّز بمبادئ فاضلة أعلى ينبغي أن ينظم حياته على وفقها، وذلك من قبيل العدل وضده الظلم والاعتداء، والصدق وضده الكذب والقول بغير علم، والشكر للمنعم وضده الجحود والكفران، والعفاف وضده الاسترسال في الفحشاء والمنكر، إلى غير ذلك من المعاني الفاضلة.

وتنقسم هذه القيم إلى مستويين:

الأول: مستوى إلزامي، وقد يعبر عنه بالعدل، وذلك من قبيل تجنب الاعتداء على الغير، وهذا المستوى هو الذي يتمثل في القانون، فالقانون في المنظور المعاصر لا يتضمن إلا تشريعات إلزامية.

الثاني: مستوى غير إلزامي، وقد يعبر عنه بالفضل، ويعبر عنه في التعبير المعاصر بالأخلاق، مثل التبرع بالمال لصرفه على جهات البر والإحسان، ويطلق في الشرع على التشريعات بالمستوى الأول الإلزامي الوجوب والتحريم وعلى التشريعات في المستوى الثاني غير الإلزامي الاستحباب والكراهة.

واتصاف الإنسان بهذه الخصلة أيضاً أمر بديهي بحسب الوجدان العام، وهي على العموم موضع اتفاق الناس باختلاف أقوامهم ومللهم. نعم ربما شذ عنه بعض الباحثين المحدثين وزعم أن الإنسان على حد الحيوانات، فهو أناني بطبعه وتحكمه الغرائز تماماً، وربما احتج بعض على هذا المدعى بنظرية التطور في نشأة الإنسان. إلا أن هذا الادعاء خطأ فاحش، لن يجري عليه حتى صاحبه في سلوكه العملي مع زوجته وأولاده وأصدقائه وأرباب عمله، فهو ينطلق في التعامل معهم من قيم وجدانية لا محالة.



معرفة الدين (سلسلة محاضرات فكرية)، ص27 ـــ 29

السيد محمد باقر السيستاني