دلالة تغير الكون على الصانع، ويتألف هذا الدليل من مقدمتين:

 المقدمة الأولى: أن الكون متغير؛ لأن كل الكائنات تتطور من صورة إلى أخرى، فإذا نظرت إلى الكائنات الحية فإن الملحوظ أنها تسير في خط من التوليد والزوال فالدجاجة تبيض، ثم تكون البيضة دجاجة أخرى، وهكذا يستمر وجود (الدجاجة)، وإذا نظرت إلى الكائنات غير الحية فإنها أيضاً تتطور من صورة إلى أخرى بأشكال مختلفة بعضها ظاهرة مثل انتقال المواد غير الحيوية إلى كائنات حيوية من النباتات والحيوانات، وكذلك العكس، وبعضها الآخر مما كشف عنه العلم الحديث.

المقدمة الثانية: أن الشيء المتغير لا بدّ له من سبب. بيان ذلك: أنه قد يخطر في ذهن الإنسان ابتداءً أنه لا مانع من وجود سلسلة غير متناهية من المتغيرات يعقب بعضها بعضاً، فلتكن الدجاجة متولدة من البيضة والبيضة من دجاجة أخرى، ثم تلك الدجاجة من بيضة أخرى إلى ما لا ينتهي، ولا حاجة إلى وجود شيء وراء الدجاجة والبيضة يكون سبباً لهما.

ولكن الذي يجده الإنسان بشيء من التأمل أن هذا المعنى أمر غير معقول، لأن كل حلقة من هذه السلسلة التي فرض عدم تناهيها مسببة طبعاً، فما من دجاجة في هذه السلسلة إذا أشرت إليها بخصوصها صح أن تقول: إنها مسببة ومتولدة من بيضة، وإلا كانت لدينا دجاجة لم تنشأ من بيضة، وهذا يعني انتهاء السلسلة إليها. وكذلك أنه ما من بيضة في هذه السلسلة إذا أشرت إليها صح أن تقول: إنها متولدة من دجاجة وإلا كانت لدينا بيضة لم تنشأ من دجاجة، وهذا يعني انتهاء السلسلة إليها. وإذا كانت كل حلقة من هذه السلسلة مسببة عن شيء وراءها فإن جميع تلك السلسلة تكون مسببة طبعاً، لأن صفة كل مجموعة تابعة لصفة أجزائها وحلقاتها، فإذا اتصفت الأجزاء والحلقات في صفة كانت كل تلك المجموعة متصفة بتلك الصفة أيضاً. وعليه فإذا كانت كل الدجاجات والبيض في السلسلة المفترضة مسببة عن بيض ودجاجات تسبقها كان مجموع السلسلة مسببة طبعاً، فلا بدّ أن يكون سببها أمراً وراءها ؟

 إذن فإن سلسلة الدجاجة والبيضة ـ وقد ذكرناها مثالاً لأجل التقريب - لا بدّ أن يكون لها بداية وهي إما الدجاجة أو البيضة، وعليه: فلا بدّ من سبب لها وراءها قد أوجد الدجاجة أو البيضة ابتداءً.

 وهكذا الكون المادي، حيث إنه مؤلف من حلقات متسلسلة ينتج بعضها عن بعض، فإنه لا بدّ له من سبب وراءه، ولا غنى عن ذلك بافتراض كون هذه السلسلة غير نهائية لأن كل حلقة في السلسلة مسببة فكيف تكون السلسلة كلها مستغنية عن سبب خارجي؟

أفي الله شكٌ (سلسلة محاضرات فكرية)، ص16-18

السيد محمد باقر السيستاني