ومن جملة المسائل التأريخية التي تختص بالمذهب الإمامي هي مسألة ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وأدلتها، فإنها مسألة تأريخية مع ابتنائها على بيئات تأريخية يمكن فهمها من التأريخ الإسلامي العام، فلا بدّ عند البت بها من الاطلاع على التأريخ الإسلامي على وجه عام والتأريخ الإمامي على وجه خاص حتى يتأتى للمرء التحقق الموضوعي الملائم منها، وحتى يستطيع من الموازنة المناسبة بين حجم

الأدلة على الموضوع وبين غرابة الفكرة.

فمسألة ولادة الإمام (عليه السلام) وإمامته مثلاً تعتمد - فضلاً عن المؤشرات المباشرة على الولادة - على أمور إضافية ذات أبعاد تأريخية تساعد على الاقتناع بها، من جملتها عدة أصول تعتبر بديهية من المنطلق التأريخي الإسلامي أو الإمامي مثل ..

١ - أصل استمرار الإمامة في أهل البيت (عليهم السلام)، كلما غاب منهم نجم طلع نجم آخر، وهو أصل تشهد به روايات نبوية كحديث الثقلين، ويفي به ما ثبت تأريخياً عن الإمام علي (عليه السلام) في خطب له جاءت جملة منها في نهج البلاغة، وأكد عليها الأئمة القادة من أهل البيت (عليه السلام) جميعاً كثابتة بديهية وراسخة ومؤكدة للغاية.

 ٢ - توجيه كل واحد من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الشيعة إلى الإمام الذي بعده طيلة قرنين ونصف توجيهاً مناسباً وموجباً للإذعان، وعدم إرجاع الإمام العسكري (عليه السلام) بحسب التأريخ إلى أي شخص آخر غير ولده.

 وهذا أصلٌ واضحٌ في التأريخ الإمامي، وله شواهد واضحة في التأريخ الإسلامي العام بالالتفات إلى تضمنه تعاقب الأئمة (عليه السلام) في هذا الخط، وتعامل السلطة معهم كحلقات سلسلة واحدة، ووجود جماهير واسعة لهم في الكوفة وقم وغيرهما ترجع إلى اللاحق منهم بعد السابق.

كما أن انقطاع الإمام الظاهر في هذه السلسلة بعد الحسن العسكري (عليه السلام) وعدم إحضار السلطة أي أحد بعده أمر بديهي في التأريخ السياسي للخلافة العباسية.

وباستحضار البداهة التأريخية لهذا الأصل نجد أنها ستكون عاملاً مساعداً على التصديق بمؤشرات ولادة الإمام والحفاظ عليه بنحو سري بعيداً عن أعين السلطة.

٣ - تعامل السلطة العباسية مع الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والد المهدي

(عليه السلام) كقائد ديني وسياسي وروحي كانت السلطة تحذر من قيامه بثورة ضدها بالنظر إلى سعة نفوذه في المجتمع الشيعي الواسع آنذاك كتعاملها مع سائر آبائه من قادة هذه الطائفة من الشيعة ممن استدعتهم السلطة العباسية إلى دار الخلافة، ليكونوا تحت الرقابة التامة دون سائر العلويين.

منهج البحث والتحري في شأن الإمام المهدي (عليه السلام)، ص56، 57

السيد محمد باقر السيستاني