خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) والتمهيد لواقعة الغدير
2022-12-29

لقد اشتملت خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) في واقعة الغدير على أجزاء متعددة بعضها ممهدات أو متممات ولواحق وبعضها ركن وذلك أمران:

أحدهما: فقرة الولاء وهي: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، وهذا هو المحور الأساس للحديث.

 وثانيهما: فقرة التمسك بالثقلين، وهذه أيضاً فقرة أساسية جاءت في الحديث قبل فقرة الولاء.

وقد اختلفت طرق الحديث فيما تضمّنت حكايته من ركني الخطبة وهما حديث الثقلين وحديث الولاء وسائر ممهداتها ومتمماتها.

 فاقتصر بعضها على فقرة الثقلين في الحديث التي تتضمن الأمر بالتمسك بالكتاب والعترة للوقاية من الضلالة.

واقتصر بعضها الآخر على فقرة الولاء (من كنت مولاه فهذا علي مولاه).

 واشتمل بعضها على جمل إضافية تصف ابتداء الخطبة ومقدماتها ونهايتها. والقاعدة المعروفة عند كافة أهل العلم أنّ ما اشتمل على زيادة يعتبر أكمل مما خلى عنها ويكون حجة على إثباتها، ولا يكون عدم اشتمال بعض آخر عليها نافياً لوجود الزيادة، لأنّ اقتصار الرواة على إيراد بعض الكلام أمر متعارف ونقل شيء لا يدل على نفي ما عداه، لاسيما أن من المعلوم أن ما صدر من النبي (صلى الله عليه وآله) في غدير خم كان خطبة خطب بها ولم يكن جملة أطلقها، فكان مؤلفاً من جمل عديدة بطبيعة الحال.

هذا، وقد يكون للاقتصار على بعض الحديث دواع طبيعية للإيجاز والتلخيص، إلا أنّ الملفت إهمال بعضهم مثل مسلم في صحيحه تبعاً لبعض مشايخه لفقرة الولاء التي هي لبّ الحديث ومركزه والغاية التي أراد النبي (صلى الله عليه وآله) الانتهاء إليها في الخطبة بحسب سياقها، وتلك هي قوله (صلى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) فاقتصر مسلم على رواية فقرة حديث الثقلين رغم أنه رواه من طريق زيد بن أرقم، الذي روى عنه جماعة هذا الحديث مشتملاً على هذه الزيادة وفق شروط مسلم في الصحيح، على أنه روى هذه الفقرة بلفظ ذكر فيه الثقلين، ولكن استبدل التمسّك بأهل البيت إلى التذكير بأهل البيت فقط، رغم أنّ المشهور في رواية زيد بن أرقم وغيرها في لفظ الحديث الأمر بالتمسك، وهو الأنسب لسياق الحديث (لاحظ في بيان مناسبته الايضاح الثالث، العنصر 22).

وقد صح ذلك من رواية زيد بن أرقم من طرق أخرى صحيحة على شرط مسلم، ولكنه لم يشأ أن يورد الرواية بتلك اللفظة.

والواقع أن تغييب أهل البيت (عليهم السلام) عن الموقع الملائم لهم وفق ما تشير

إليه نصوص الكتاب وتدلّ عليه نصوص السنّة من التميز العلمي والمعنوي والسياسي إلى ظاهرة محسوسة بسهولة ويسر في شأن النصوص والوقائع المتعلقة بهم، وهي إهمال النصوص المتعلقة وقلة طرقها، وتقطيعها، وتخفيف صياغاتها.

لكن مع ذلك بقيت جملة من تلك الوقائع والنصوص محفوظة بطرق معتبرة تقوم بها الحجة على المسلم.



واقعة الغدير ( (1) ثبوتها ودلالاتها)، ص97-99

السيد محمد باقر السيستاني