وعلى كل حال فقد كان تسامح النبي (صلى الله عليه وآلهِ) في صلح الحديبية وإحسانه سبباً في خفة ضغينة قريش، ورجعوا لأنفسهم بعد أن خفت عقدة العداء السابق، وبدأوا يفكرون في الدخول في الإسلام، إيماناً به، أو اهتماماً بأن يكسبوا منه بعد أن ظهرت قوته وعلوه يوماً بعد يوم، كما تقدم من عمرو بن العاص، وحصل من غيره.

وفي صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «وما كانت قضية أعظم بركة منها. لقد كاد أن يستولي على أهل مكة الإسلام»( الكافي ج:٨ ص:٣٢٦-۳۲۷ حدیث:٥٠٣).

وفي طريقه (صلى الله عليه وآلهِ) راجعاً من الحديبية إلى المدينة نزلت سورة الفتح ـ على ما رواه غير واحد(صحيح مسلم ج:5 ص:١٧٦. کتاب الجهاد والسير: باب صلح الحديبية بالحديبية. السنن الكبرى للبيهقي ج:٩ ص:۲۲۲ کتاب السير ومبتدأ الخلق: باب نزول سورة الفتح على رسول اللہ - صلى الله عليه وآلهِ -) ـ فقرأها على المسلمين. وبين لهم مكاسب صلح الحديبة.

وقد كان من نتائج هذا الصلح أيضاً فرض هيبة النبي (صلى الله عليه وآلهِ) في المنطقة، لما لقريش من الهيبة والأهمية فيها، وكانوا ينتظرون حاله معها وموقفها منه، فتنازلها له وصلحها معه بمعاهدة ملزمة كشف عن قوة غير متوقعة. ومن هنا بادر له بأمرين:

حرب خيبر:

الأول: أنه (صلى الله عليه وآلهِ) توجه لخيبر من أجل إنهاء مشكلة اليهود في المنطقة، وكانوا يثيرون المشاكل له. وقد سبق أن التحق بهم كثير ممن كان في المدينة من يهود بني قينقاع وبني النضير الذين منهم حيي بن أخطب وكان له ولغيره منهم دور مؤثر في حرب الأحزاب.

وفتح (صلى الله عليه وآلهِ) حصونهم واحداً بعد واحد في حرب طويلة الأمد حتى أنهاهم، وغنم ما فيها من مال وسلاح، وهما كثيران جداً في مقاييس تلك والحديث فيها طويل لا يسعنا الدخول فيه. ومن أراده فليرجع إلى المصادر المعروفة.

وقد يظهر فيها وهن بعض أصحابه في القتال. وكان فتح آخر حصن من حصونها وأهمها قد تم على يد أمير المؤمنين (عليه السلام) بصورة لافتة للنظر، حيث قتل أعظم أبطالهم مرحب، وقلع باب الحصن ورمى به، كما هو مشهور. وإن حاول البعض تجاهله.

ثم فتح (صلى الله عليه وآلهِ) وادي القرى، وهو إلى الشام أقرب. وصالحه أهل فدك بغير قتال. وبذلك بسط نفوذه في منطقة واسعة باتجاه الشام.

كتب النبي (صلى الله عليه وآلهِ) للملوك:

الثاني: أنه كتب إلى الملوك المحيطين بالحجاز، بل حتى بعض البعيدين عنه ـ كالمقوقس في مصر ـ يدعوهم إلى الإسلام، وخصوصاً إلى كسرى وقيصر ملكي الإمبراطوريتين الكبيرتين اللتين لهما المكانة والهيبة العظمى في نفوس العرب. وهما محيطتان بالجزيرة العربية تقريباً، ولها نفوذ مباشر رسمي في كثير من مناطقها. وكان لذلك وقعه في نفوسهم مما زاد في هيبتهم له وسهل عليه وعلى المسلمين من بعده الاستيلاء على بلادهم.

وقد أسلم بعضهم، كالنجاشي (إعـلام الورى بأعلام الهدى ج:۱ ص:۱۱۹ الهجرة إلى الحبشـة. قصـص الأنبياء للراوندي ص:۳۲۲. الكامل في التاريخ ج: ۲ ص:۲۱۳ ذكر مكاتبة النبي الملوك. السيرة النبوية لابن سيد الناس ج:۲ ص:۳۲۹-۳۳۰. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ج:1 ص:۳۰۹ باب ما جاء في كتاب النبي (صلى الله عليه وآلهِ) إلى النجاشي. الثقات لابن حبان ج: ۲ ص:۹. تاريخ الطبري ج:۲ ص:٢٩٤. وغيرها من المصادر الكثيرة)، والمنذر بن ساوى والي البحرين من قبل الفرس ومن معه من العرب، ودفع غيرهم ممن في البحرين الجزية (الكامل في التاريخ ج:۲ ص: ٢١٥ ذكر مكاتبة النبي الملوك. نصب الراية ج:6 ص:٥٦٢. تفسير مقاتل بن سلیان ج:۱ ص:۱۳۷. تفسير الثعلبي ج: ۲ ص: ٢٣٥، ج:4 ص:۱۱۷-۱۱۸. الطبقات الكبرى ج:1 ص:٢٦٣. صبح الأعشى ج:6 ص:٣٥٣-٣٥٤. السيرة النبوية لابن سيد الناس ج: ۲ ص:333. السيرة الحلبية ج:3 ص: 300. وغيرها من المصادر الكثيرة).

كما أسلم باذان والي اليمن بعد أن تبين له صدق النبي (صلى الله عليه وآلهِ) فيها أخبر به مبعوثي باذان من قتل إبرويز كسرى الفرس ـ الذي مزق كتاب النبي (صلى الله عليه وآلهِ) حيث قتله ابنه شيرويه ـ وأسلم من كان معه من الفرس في اليمن، وهم الذين عرفوا بالأبناء(الطبقات الكبرى ج:1 ص:٢٥٩-٢٦٠ ذكر بعثة رسـول اللہ (صلى الله عليه وآلهِ) الرسـل بكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الاسلام وما كتب به رسول اللہ (صلى الله عليه وآلهِ) لناس من العرب وغيرهم. الكامل في التاريخ ج:۲ ص:٢١٥ ذكر مكاتبة النبي الملوك. تاريخ دمشـق ج: ۲۷ ص:٣٥٧ في ترجمة عبد الله بن حذافة. وغيرها من المصادر).

أما المقوقس والي مصر من قبل الروم فقد احترم كتاب النبي (صلى الله عليه وآلهِ)، وبعث إليه بهدايا وجوار منها مارية أم ابنه ابراهيم(الكامـل في التاريـخ ج : ۲ ص۲۱۰-۲۱۱ ذكـر مكاتبة النبي الملـوك. تاريخ الطبري ج : ٢ ص:۲۸۹. الاستيعاب ج:1 ص:314 في ترجمة حاطب بن أبي بلتعة اللخمي. تخريج الأحاديث والآثار ج:٢ ص:434. الثقات لابن حبان ج:۲ ص:۱۰. أسد الغابة ج:1 ص:٢٦٦. المحبر ص:٩٨. وغيرها من المصادر).

وكذلك احترم أيضاً كتاب النبي (صلى الله عليه وآلهِ) هرقل ملك الروم، لكنه لم يسلم ولم يدفع الجزية، لرفض بطارقة الروم ذلك. وقد اضطره موقفهم لمواجهة الإسلام بعد ذلك(الكامل في التاريخ ج ۲ ص ٢١١ في ذكر مكاتبة النبي الملوك. الثقات لابن حبان ج: ۲ ص:۸.).

خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) ص98-100

اية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (قدس سره)