مقارنة بين الكتب الحوزوية القديمة والجديدة
2021-09-16

قلت: بأمور عدة:

 

منها: أنّ المنهج القديم مثّل حقبة زمنية كبيرة في أفكارها وطرق استدلالها، وقد حدثت بعدها أفكار وطرق استدلالية جديدة لا يفي المنهج المذكور بمتطلّباتها.

 

وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى حركة تطوّر العلوم والأفكار الأمر الذي يدعو إلى وضع منهج جديد يراعى فيه ذلك.

 

ومنها: أن المنهج القديم وإن كان يعطى للطالب عمقاً ودقة إلا أنه لا يقرّبه نحو ملكة الاستنباط خطوة أو خطوات في الوقت الذي نحن بحاجة ماسّة إلى تقريبه نحو ذلك.

 

وفي المنهج الجديد يمكن أن ندّعي أن الطالب بعد إتمامه دراسة للكتابين سيشعر بتحقّق شيء من الهدف المنشود في نفسه، فهو يعلّم الطالب: كيف يدخل في المطلب، وكيف يخرج منه، وكيف يستدلّ عليه.

 

ومنها: أن المنهج القديم يحتاج في تدريسه إلى مرحلتين:

 

إحداهما لبيان ما اشتمل عليه من أفكار دقيقة، والأخرى لما اشتمل عليه من ألغاز لفظية، الأمر الذي قد يشغل ذهن الطالب في حل تلك الألغاز حتّى إذا ما وصل إلى المعاني كلَّ عن التدقيق فيها، والمهمُّ في تطوُّر الطالب تأمُّله في المعاني بالوصول إلى أعمالها والتأمُّل في صحّتها وسقمها وما يمكن أن يورد عليها،

 

المنهج الجديد أن الطالب يدرس المطلب مرّةً واحدة، لأنّه يدرس المعاني فقط ولا يحتاج بعد هضمها إلى تطبيق الألفاظ عليها إلا بنحو يسير، وذلك يوفّر عليه التأمّل في المعاني والتدقيق فيها.

 

ومنها: أنَّ المنهج القديم لا يستعرض الروايات في مقام الاستدلال على المطالب في أي باب من أبواب الفقه فضلًا عن كيفية علاج التعارض بينها، وهذا الأمر أهمُّ ما يحتاج إليه الطالب.

 

وقد واجهت بنفسي هذه السلبية عندما انتقلت إلى مرحلة الخارج. حيث فوجئت بكمٍّ هائل من الروايات التي لم يكن لي اطّلاع سابق عليها، وفوجئت أيضاً بصعوبة العلاج بينها حيث لم أعطش تطبيق ذلك سابقاً، وهذه قضية تحتِّم كتابة منهج جديد تؤخذ فيه هذه الملاحظة بعين الاعتبار

 

ومنها: أن المنهج القديم لم يؤخذ فيه بعين الاعتبار ملاحظة النكات الرجالية والنظر في الأسانيد ولا القواعد الفقهية. بل ولا المسائل الأصولية، في الوقت الذي نحن بحاجة ماسة إلى ربط الفقه بالأصول في مقام الأستنباط.

 

ومنها: أن “الروضة البهيّة” على وجه الخصوص ليست فقهاً استدلالياً إلا في بعض مواضعها، و بهذا تدعو الضرورة إلى منهج تكون صبغة الاستدلال في جميع مواضعه.

 

هذه بعض الفوارق بين المنهجين القديم والجديد.

 

و ربّما هناك رأي آخر في حوزاتنا ينكر الضرورة إلى وضع منهج جديد ويدعو إلى بقاء القديم على قدمه لأحد وجوه:

 

1– أنّ ما لدينا من ثروة فكرية هو مودع في الكتب القديمة كمبسوط الشيخ ومنتهى العلامة وذكرى الشهيد و غير ذلك، ووضع المنهج الجديد سوف يقطع العلاقة بهذا التراث المهم، حيث إنّ التعايير الجديدة والمعاصرة لايمكن التفاعل مع التراث القديم من خلالها.

 

۲– أنّ الطالب يفقد العمق والدقّة أو يقلّ عنده ذلك متى ما قرأ المنهج الجديد المبني على العبارات السلسلة وحذف الضمائر وعدم اللّفّ والدوران.

 

٣– أنَّ علماءنا وكبارنا قد تخرّجوا على المنهج القديم. وبذلك أثبت جدارته، فعلينا أن نسير على خطى الماضي لأنًّ فيه البركة.

 

هذا ما يمكن أن يقال في مجال المعارضة.

 

وأنت عزيزي القارئ لا أظنُّ موافقتك لهذه الوجوه بعد أن كان من الواضح لديك وهنها.

 

أمّا الأول، فلأنًّ الارتباط بالتراث القديم يمكن أن يتحقًّق بالاستفادة من مضمونه، وإمّا الارتباط بألفاظة فلا ضرورة له، بل يكفي هضم المضمون أو هضم أكثره، و هذا لمن يقرأ المنهج الجديد ممكن، فإنَّ المضمون هو المضمون إن لم يكن أقوی.

 

وأما الثاني: فلأن مضمون المنهج الجديد إن لم يكن أدقّ من القديم فليس بأقلّ منه، قالعمق والدقّة يعودان كما هما.

 

وأما الثالث: فهو أشبه بمقولة: إنَّ الناس في الزمن السالف كانوا يسافرون بالوسائل المتداولة آنذاك فلنستعن بها اليوم أيضاً. والجواب عليها هو الجواب على الوجه، فإنّ الوسيلة الجديدة كما أنّها توصلنا إلى مقصدنا في وقت أقل كذلك المنهج الجديد يمكن أن ندَّعي فيه ذلك.

 

وقد تسأل: هل تنصح بهجر المنهج القديم أو بضمّه إلى الجديد ؟

 

وجوابه: أن ضمَّ شيء منه إلى جديد أمر لابدّ من مراعانه، فدراسة الحلقات الثلاث مثلاً ضرورة ملحَّة في علم الأصول، فإنَّه يضمّ آراء الأعلام الثلاثة إضافة إلى آراء السيد الخوئي”قدس سره”، وعند الانتقال إلى مرحلة الخارج لا يشعر الطالب آنذاك بطفرة واسعة، ولكنّ دراسة مباحث الكفاية أمر لازم لعاملين:

 

أحدهما موضوعيّ، إذ من دون ذلك لا يعرف الطالب مدى الفارق بين المنهجين في طرحهما للمباحث، والاطلاع على ذلك ضرورة ملحّةٌ.

 

ثانيهما نفسي، فإن حوزاتنا تضغط على الطالب بدراسة الكفاية، وقد لا تسمح لنفسها في الوقت القريب بأن تعدَّ الطالب طالب علم حقّاً ما لم يدرس الكفاية.

 

وفراراً من هذا العامل النفسي واستجابةً لذلك العامل الموضوعي يمكن الجمع بين الحقلين بدارسة المنهج الجديد بشكل كامل ودراسة من أبحاث المنهج القديم.

 

ونؤكد للطالب والأستاد أن لا ينظرا إلى هذا الكتاب وسابقه نظرة استصغار، فصحيح أنّ العبائر ليس فيها لفٌّ والتواء إلّا أن المطالب في كثير من المواضع عميقة ودقيقة، وسيجد الطرفان صدق ما نقول عند دراستهما وتدريسهما.

 

وفي الختام، علينا أن نعترف أنّ التأليف الجماعي هو الطريقة المثلى، حيث تقلُّ فيه نقاط الضعف، لكنّه لا ينحصر بأسلوب واحد، فإنّ من جملة أساليبة – إذا تعذَّر لبعض العوامل تصدّی لجنة لوضع الكتاب- تصدّى بعض التأليف وبعض آخر لبيان مواضع الضعف فيه ليتمَّ تلافيها.

 

الشيخ محمد باقر الأيرواني