لماذا أمرنا الله تعالى بالعبادة؟ بقلم العلامة السيد مرتضى المهري
2021-06-08

إن الله تعالى انما خلق الخلق ليرحمهم ولكنهم لا يستحقون الرحمة الا بالعبادة.

 

وهذا يعلم بضمّ قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[1] الى قوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[2] فان اسم الاشارة في قوله (ولذلك خلقهم) يعود الى رحمته تعالى في قوله (الا من رحم ربك).

 

وبالآية الثانية نعلم أن الرحمة لا تشملهم الا بالعبادة فالامر بالعبادة لمصلحة الخلق والله تعالى لا ينتفع بشيء كما قال (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[3] والهدف الالهي ليس كاهدافنا واغراضنا مما يعود نفعه الينا بل فعله تعالى يعود نفعه الى المخلوق.

 

وبعبارة اخرى مقتضى حكمة الله تعالى ان تكون افعاله لحكمة وغرض ولا تكون عبثا ومقتضى غناه ان لا يعود النفع اليه فالحكمة في خلق الجن والانس هو العبادة ونفعها يصل اليهم.

 

ولذلك لم يقل في التعبير عن الغرض (لاُعبد) او (لاكون معبودا) بل قال (ليعبدون) فالهدف هو عابديتهم لا معبودية الباري سبحانه.

 

ويمكن أن يكون للعبادة الاختيارية تأثير مهم في الكون فالبشر الذي يعبد الله تعالى يربط بين السماء والارض ربطا اختياريا من الارض اي من عالم الطبيعة وربما لا نعقل تأثيره الا أن من المحتمل وجود هذا التأثير فيكون هو السبب في امره تعالى الانسان بالعبادة.

 

ويعلم ايضا من قوله تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) في آية سورة هود الآنفة الذكر ان العبّاد قليل ولذلك اعلن انه سيملأ جهنم من الجنة والناس اجمعين لانهم لا يعبدون الله تعالى فلا تشملهم الرحمة.

 

وهذا ايضا ربما يستوجب استغرابا من الناس حيث يتوهم انه تعالى لم يصل الى هدفه بل ربما يقال ان بعض الآيات تدل على ان الغرض من الخلق هو إلقاؤهم في النار حيث قال تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ..).[4]

 

ولكن الصحيح ان الهدف قد تحقق وهو عبادة المؤمنين الصالحين فضلا عن عبادة المقربين واللام في قوله (ولقد ذرأنا لجهنم) لام الغاية وليس لام الغرض اي انهم بسوء اختيارهم جعلوا غايتهم النار.

 

ويمكن أن يجاب بوجه اخر وهو ان الله تعالى خلق الناس ليعبدوه ولكنه هو الغرض من خلق الجنس لا من خلق كل فرد والمقصود لا يترتب الا مع الاختيار وهو يستلزم انحراف اكثرهم عن الصراط المستقيم فلا يعبدون الله ولا يطيعونه فاستحقاقهم للنار نتيجة طبيعية لخلقهم احرارا عقلاء وهو ايضا داخل في الهدف الاساسي من الخلق فصح أن يقال انهم خلقوا من اجل جهنم.

 

ونظير ذلك كون الشهادة غرضا للمجاهدين في سبيل الله مع ان الغرض الاساس هو النصر والفتح وكسر شوكة الكفر الا انه يستلزم القتال وهذا بطبيعته يستلزم القتل والشهادة فيصح ان يقال ان الغرض من مجاهدتهم الشهادة مع أنها ليست هي الغرض واقعا ولو تمكن الامام لحافظ على حياة كل فرد منهم الا أن الحرب بطبيعتها تؤدي الى موت كثير منهم فالموت للبعض غرض ايضا ولكنه غرض ثانوي لا بد منه لتحقيق النصر.

 

وكذلك انحراف اكثر الناس غرض ثانوي لابد منه بطبيعة الحال لتحقيق الهدف الاسمى وهو عبادة الاحرار التي لا تتحقق الا ببذل الحرية للجميع وهو بدوره يجرهم الى النار بسوء اختيارهم.

 

المصدر: موقع العلامة المهري

 

ـــــــــــــــــــ

 

[1] هود: 118- 119

 

[2] الذاريات: 56

 

[3] لقمان: 12

 

[4] الاعراف: 179