الفقيه المتحرك سيصبح مرمًى للحجارة
2021-03-09

(كان لأحد أصحابنا ـ وهو صاحب نظر ورؤية ـ تعبيرٌ في غاية اللطافة حول ما أسماه (منطق الآلة البخاريّة). وإذا سألناه: وما منطق الآلة البخاريّة؟ كان يقول: لقد تعلّمت درسًا منذ القديم، وأنا على اعتقاد بأنّ المجتمع يسير وفق منطق الآلة البخاريّة.

 

أيّامَ الصبا كان منزلنا في منطقة الشاه عبد العظيم، ولم يكن قطار سكّة الحديد يومها بالنحو الذي هو عليه اليوم؛ حيث لم يكن يوجد حينها سوى خطّ طهران ـ الشاه عبد العظيم. وكنت ألاحظ أنّه عندما يتوقّف القطار في المحطّة كان الأطفال يتجمّعون حوله لمشاهدته والنظر إليه، وكان لسان حالهم يقول: انظروا إلى هذا المخلوق العجيب! لقد كان واضحًا أنّهم يحترمونه ويعظّمونه. وطالما أنّ القطار متوقّف فقد كان يحظى منهم بنظرات التعظيم والتكريم والاحترام والإعجاب.

 

لكن عندما تحين ساعة المسير ويبدأ القطار بالتحرّك فإنّهم يأخذون بالهرولة إلى جانبه ليلتقطوا الحجارة ويرموه بها.

 

لقد كنتُ أعجب من ذلك وأقول: إذا كان القطار جديرًا بالرمي فلماذا لم يكن يناله منهم خدشٌ بسيطٌ حال سكونه وتوقّفه؟ وإذا كان قمينًا بالإعجاب والتقدير فإنّ من الأولى أن يكون له ذلك حال الحركة..

 

لقد بقي هذا الأمر بمثابة اللغز بالنسبة لي حتّى كبرت ودخلت المجتمع؛ حيث وجدت أنّ هذا الأمر يمثّل القانون الكلّي الحاكم في حياتنا ـ نحن الإيرانيّين ـ ؛ فإنّ كلّ شخصٍ أو شيء طالما أنّه ساكن فهو محلّ احترام، ويحظى عندنا بالتعظيم والتبجيل طالما هو كذلك.

 

لكن بمجرّد أن يخطو خطوةً على سبيل الحركة فإنّ عاقبته لن تقتصر على أنّه سوف يكون دون ناصرٍ أو معين، بل إنّه سيصبح مرمًى للحجارة.

 

إنّ هذه الظاهرة علامة على المجتمع الميّت، أمّا المجتمع الحيّ فإنّه يحترم الناطقين حصرًا دون الساكتين، المتحرّكين دون الساكنين، الأكثر خبرةً دون من سواهم)..

 

 آية الله الشهيد الشيخ مرتضى مطهري (قدّس سرّه)، مجموعه آثار (احياى تفكر اسلامى)، ج‏25، ص: 426.