خطأ التأخير والتسويف في الزواج
2021-01-25

إنّ من أهم الأمور في شأن الزواج عدم التسويف فيه عن وقته المناسب وفق السنن التي سنّ عليها وجود الإنسان، فالإنسان بعد أن كان في مرحلة الطفولة بين والديه وأسرته وتبعاً لهما فإنه بعد النمو الجسمي والنفسي والفكري تتجدد لديه ميولٌ واقتضاءات لا يجد معها الاندماج مع والديه أمراً ملائماً ولا المعايشة على هامش حياتهما أمراً وارداً، بل يجد حاجة إلى أن تكون له حياته الخاصة والمستقلة التي يكون هو مدار التصميم والمسؤولية فيها ويتأتى له الاسترسال المناسب في داخلها.

وقد تُلهي بعض العوامل الإنسان عن اقتضاءات الزواج كالمعاشرة مع الوالدين أو الإخوة والأخوات في داخل البيت أو مع الأصدقاء في خارجه أو الانشغال بالعمل والوظيفة أو الانشغال بعض العلائق العابرة فيؤدي ذلك إلى تأخير الاهتمام بالزواج عن موعده المناسب، إلا أن هذا التأخير له أضرار كثيرة على الإنسان:

فقد يؤدي هذا التسويف تدريجاً إلى تضييع فرصة الزواج تماماً من جهة ضعف الدواعي الداخلية والقدرات المتميزة والجاذبيات الكامنة في الإنسان.

 

وفي حالات كثيرة أخرى: يؤدي التسويف في الزواج في أدائه إلى محاذير أخرى:

١ــ فقد يفوت التسويف على الإنسان بعض الفرص المميزة للزوج الملائم والذي يكون تحصيله أساساً في السعادة الدنيوية والأخروية.

٢ ــ وقد يفتح التسويف على الإنسان سلوكيات وعادات غير ملائمة لن يستطيع التخلص عنها حتى لو سعى إلى الزواج لاحقاً، وبذلك يؤدي إلى تعثّر زواجه واقترانه بكثير من العناء والمشقة وعدم حصوله على السعادة التي ينبغي له أن يحققها الزواج.

٣ ــ كما أنه قد يخمد التسويف في الإنسان نشاطاً وفعالية في داخله لن يمكن له أن يستثيره لاحقاً، ويترك عليه بصمات سلبية بعد انقضاء تلك المرحلة العمرية حتى لو تأتى له الزواج، ومن ثم يعاني في تدبير أمر الأسرة ويُبتلى بالمشاكل فيها.

٤ - وقد يؤدي التسويف إلى أن يلتجئ الإنسان بدلاً عن الزواج ولو لبعض الوقت إلى العلائق العابرة الذميمة والمحرمة، وذاك خطأ كبير، بل خطيئة مدمرة، لأنها تحرف الدواعي الفطرية عن مسارها الطبيعي، وتزرع في النفس تشبثات بديلة لا هي بالتي تفي بجهات احتياجات الإنسان بنحو ملائم ولا هي بالتي تفك الإنسان وتدع له أن يفي بها من خلال المسيرة التي فطر عليها، بل تعكر صفوها ونقاءها، فيعيش الإنسان التشويش مدى حياته حتى لو أقدم على الزواج لاحقاً.

 

فالتأخير في الزواج اكتفاءً بعلاقة عابرة لهو خطأ كبير، حتى ولو كانت محللة، لأن العلائق العابرة من هذا القبيل تزرع في الإنسان ميولاً واتجاهات غير واقعية وتوجب تعثره في الزواج لاحقاً.

 

وقد يتجنب الإنسان الزواج أو يؤخره خشية مصاعبه ومحاذير يخشاها، وذلك أيضاً خطأ، لما ينطوي عليه من التجاهل لمحاذير تركه، والتضخيم لما يخشاه من محاذير الزواج.

وإن كثيراً من المحاذير لتندفع بالبحث الجاد والاختيار المناسب والتركيز على العناصر الدخيلة في ديمومة الحياة وسلامتها.

 

وإنّ الابتلاء والعناء في هذه الحياة لن يتوقف على الزواج، ولئن هرب الإنسان من بعض مصاعبه بترك الزواج فإنه قد يقع في بعضه الآخر، فإن ذلك جزء من مقادير الحياة، ولكن المرء قد يقصر نظره على المحاذير التي وقع فيها ولا ينتبه إلى المحاذير التي نجا منها بفضل الزواج.

 

 وإن في اطلاع الإنسان على حوادث الحياة المختلفة مما يتفق لأقربائه أو جيرانه أو أصدقائه أو غيرهم شواهد بليغة تؤكد المعاني المتقدمة.

إذاً على المرء أن يسرع في الزواج بعد بلوغ وقته المناسب من غير تسرع، ولا يسوفه لغير حكمة، وعليه أن يستعد لذلك من قبل وذلك بإنضاج فكره ومتانة سلوكه وشعوره بالمسؤولية التي تعده لأن يكون رباً للأسرة وقائماً بها وإعداده بما يتيسر له إعداداً مادياً، ولا يهدر وقته وقدراته وما يحصل عليه من مال بالإسراف والتبذير والمتع اللاهية.

 

وما أجمل أن يتصف الإنسان بالرشد والتبصر والإقدام وفق هذا الرشد والتبصر في الوقت المناسب في أركان الحياة ومحطاته المهمة، وما أبعد تأثير ذلك على شخصية الإنسان وسلوكه الملائم وتوفيقه في هذه الحياة والبركة له فيما أتيح له من نعمائها وحسن الاستعداد لما بعدها.

وإن الإنسان المؤمن لهو أولى الناس بهذه الصفة، إذ كان كما قال تعالى: [فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَـئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ وَأُولَـئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ].

 

السيد محمد باقر السيستاني.