هل ان وباء كورونا كشف عجز الدين عن حل مشاكل الناس..
2020-08-08

السلام عليكم

سماحة السيد حسين الحكيم وفقك الله

ما رأي سماحتكم بمن يقول إن وباء كورونا كشف عجز الدين عن حل مشاكل الناس، وعن سقوط المفهوم الشيعي عن صاحب الزمان لانه لم يقم بأي دور لإنقاذ المؤمنين والبشرية من هذا الوباء، وكذلك الدعاء والتوسل بأهل البيت مما يثبت خطأ القراءة الرسمية الشيعية للدين.

عباس عبد السادة.

_____________

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الدكتور الفاضل عباس عبد السادة (حفظك الله ورعاك)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن هذه المقولة ونظائرها تكشف عن كون صاحبها ناقص الفهم جدا للقراءة السليمة المعروفة للدين ورؤيته، فإن ثقافتنا العقائدية لا تدعي أن مفاهيم التشيع ورموزه تمنع من نزول البلاء مطلقا، أو تقتضي حتمية زواله بسرعة ؟!

وقد روى الكليني في الكافي عن أَبي عَلِيٍّ اَلْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ اِبْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: عَجِبْتُ لِلْمَرْءِ اَلْمُسْلِمِ لاَ يَقْضِي اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ قَضَاءً إِلاَّ كَانَ خَيْراً لَهُ، وَ إِنْ قُرِضَ بِالْمَقَارِيضِ كَانَ خَيْراً لَهُ وَ إِنْ مَلَكَ مَشَارِقَ اَلْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا كَانَ خَيْراً لَهُ . ورجال السند في الرواية كلهم ثقات وبعضهم من الأكابر، والاحاديث التي تدل على ذلك او تستلزمه أكثر من أن تحصى.

 

بل، ولم يدعِ علماء الإمامية المعروفين في مختلف العصور يوما أن الأئمة (عليهم السلام) ومنهم صاحب الأمر (روحي فداه) سيقومون _ بإذن الله _ بحل كل معضلات الحياة الدنيا، أو يشفعون الى الله تعالى في ذلك

 

وأما الكرامات الخارقة للعادة التي تصدر منهم (عليهم السلام) فليست الا مواقف استثنائية تحصل كثيرا ولكنها قد تتخلف كثيرا ايضا، ويبقى العبد فيها بين الخوف والرجاء، ويغلب عليه حسن الظن باختيار الله(جل وعلا) له ما فيه صلاحه، ويستوجب ذلك منه الدعاء والاستشفاع لطلب العافية، فإن تحققت فبها وإن لم تتحقق فلعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور ..

 

ولو كان عندنا هذه الثقافة _ حاشا لله _ لأوجبت المحن المتعاقبة عبر التاريخ، وباختلاف أصنافها ضلال الناس ورجوعهم عن دينهم، فالشيعة طائفة عرفت البلاء جزءا لا يتجزء من تاريخها و تراثها، وسيرة أئمتها وأحاديثهم خير شاهد على ذلك

بل، ومن القرآن الكريم الذي هو المحور الاساس لثقافة التشيع، فقد جاء فيه ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ) وكذا قوله تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) و( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) وغير ذلك.

 

وبحمد الله فإن ثقافتنا العقائدية السليمة كما تَعرف في النصوص الكثيرة أسباب تأخر اجابة الدعاء، تَعرف أن الشفاعة والتصرف التكويني للنبي واوصيائه (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام) لا يخرجان عن موازين الحكمة اطلاقا التي قد تقتضي غير ما يهواه العباد ( ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض) .

 

وباختصار شديد نقول: إن رؤيتنا العقدية تعرف أن الدنيا دار بلاء وعناء، وأنها مع ذلك لا تخلو من ألطاف الله تعالى وعناياته العامة والخاصة، لكن من دون أن تكون قاعدة حتمية مطرّدة دائمية لا تتخلف.

والقول بغير ذلك في قاموسنا ليس الا شبهة أشار اليها القرآن الكريم بقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا والآخرة ذلِكَ هُوَ الخسران الْمُبِينُ).

 

والحمد لله رب العالمين .

 

16 ذي الحجة 1441 هجري

النجف الأشرف