الإسلام أوثق من سائر الأديان
2020-06-02

انّ السبب في تفضيل دين الإسلام من حيث الثقة به على الأديان الإبراهيميَّة الأُخرى عدَّة أُمور مجموعاً:

الأوَّل: المنظور التاريخي؛ لأنَّ تاريخه أوثق منهما بالنظر إلى تأخُّره الزمني وتوفُّر أدوات الكتابة عنده لبيان نشأته ومسيرته، فنشأة الإسلام وسيرة رسوله الأكرم أوضح من نشأة اليهوديَّة والمسيحيَّة وسيرة الرُّسُل فيهما، وهذا أمر واضح وبديهي للغاية بالمنظور التاريخي بلا خلاف بين المؤرِّخين.

الثاني: المنظور الرسالي؛ لأنَّ الرسالة الإلهيَّة في الإسلام ــ وهي القرآن الكريم ــ ثابتة عن النبيِّ من دون شكٍّ ــ حتَّى لدى من لا يقرُّ بصدقه في تلقّيه إيّاها عن الله تعالى ــ، بل يثبت عموماً تسلسل نزوله المكّي والمدني وفق تاريخ حوادث السيرة النبويَّة، وأمَّا التوراة والإنجيل فهما ليستا بهذه المثابة بوضوح، فليس هناك اتِّصال زمني ثابت حتَّى زمان موسى وعيسى (عليهما السلام)، ويكفي منبِّهاً على ذلك في شأن الإنجيل تعدُّد الأناجيل وبعض الاختلاف بينها.

الثالث: المنظور المضموني؛ فإنَّ معالم (الدِّين الإلهي) ومضامينه في الإسلام من خلال القرآن الكريم أنصع وأوضح ما يكون وأوفق بالعقلانيَّة والفطرة بالمقارنة مع اليهوديَّة والمسيحيَّة من خلال التوراة والإنجيل، كما لاحظنا ذلك في رفضه العصبيَّة القوميَّة والغلوِّ في المسيح.

ومن ثَمَّ كان الإسلام أجدر بأنْ يُمثِّل الصورة الأمثل لحقيقة الدِّين بوجه عامٍّ.

الرابع: إنَّ الإسلام يقرُّ بالأديان الإبراهيميَّة السابقة ورُسُلها، وبذلك فلا تتوقَّف حقّانيَّته على إبطالها، بل يكفي قيام مؤشِّرات كافية وموثوقة على حقّانيَّته ــ كما وجدت ــ وهو لا يقصر في ذلك عن الأديان الإبراهيميَّة السابقة على أقلّ تقدير، بينما الأديان السابقة لا يكفي في الأخذ بها ثبوت أصلها، بل لا بدَّ أنْ تنفي حقّانيَّة دين الإسلام، وهو أمر لم تكن ناظرةً إليه بحالٍ، بل فيها على الأقرب بشارات بنبيٍّ لاحقٍ ممَّا يساعد على تصديق الإسلام.

ويمكن القول: إنَّ أيّ باحث حول الأديان بشكل مقارن يجد أنَّ دين الإسلام وكتابه يملك وفق قواعد ثبوت الدِّين والرسالة في الأديان الإبراهيميَّة ــ بحسب التوراة والإنجيل ــ معالم وأدلَّة محقَّة لن يقصـر بحالٍ ــ في حال تأمُّل المرء وإنصافه ــ عن سائر الرسالات الإبراهيميَّة، كما يذعن به العديد من المسيحيين العرب المطَّلعين على القرآن الكريم.

فقد اشتمل الإسلام على منظومة معرفيَّة وعقائديَّة وتشـريعيَّة وتاريخيَّة واسعة ومناسبة، كما أنَّ كتابه وهو القرآن الكريم كتاب مميَّز من حيث لغة الخطاب العقلاني والحكيم والقيمي، ومن حيث الأداء المميَّز للغاية في أُمَّة كانت معنيَّة جدًّا ببلاغة الكلام، كما أنَّ رسول الإسلام رسول جاء في بيئة مضادَّة لرسالته مضادَّة بالغة جدًّا، رغم أنَّها كانت بيئة عشيرته وقومه الذين لم يكن يخفى عليهم حاله، فاستطاع خلال عقدين من الزمن من تغيير العقيدة المشـركة المتجذِّرة وتغيير العادات والتقاليد الخرافيَّة وإبطالها ممَّا مثَّل حدثاً تاريخياً هائلاً لم يثبت أنْ توسَّع حتَّى دخل فيه الأقوام المختلفة وخلق حضارة كبيرة جدًّا تُعتَبر حضارة مميَّزة لقرون في تاريخ العالم، فلا يقصـر في اشتماله على ما يُتوقَّع من الدِّين عن الأديان الإبراهيميَّة السابقة يقيناً.

وعلى أنَّه ينبغي الالتفات بعد كل ما تقدَّم: أنَّ النظر في غير الإسلام من الأديان السابقة عليه لن يُغني عن النظر في دين الإسلام حتَّى إذا انتهى المرء إلى حقّانيَّة تلك الأديان، لأنَّ الإسلام يقرُّ بتلك الأديان جميعاً، ومن الصعوبة جدًّا أنْ يدَّعي الباحث أنَّ تلك الأديان مع ما طرأ عليها تشتمل على ما يُؤدّي إلى اليقين بعدم حقّانيَّة الإسلام، وأما النظر في دين الإسلام إذا انتهى المرء إلى حقّانيته فهو يُغني عن النظر إلى أيّ دين سابق عليه أو لاحق له بعد اشتماله على ختم الرُّسُل بنبيِّ الإسلام.

محاضرات السيد محمد باقر السيستاني حول الدين والاخلاق