الميرزا النائيني نموذجا .. مفهوم الدولة والتأسيس الفقهي في عصر الغيبة
2020-01-20

أن موضوع قيام الدولة أو الحكومة ومشروعيتها خاصة إذا كانت دولة مدنية وليست دينية، كان محل جدل كبير في الوسط الإسلامي وخاصة الشيعي، والذي بدوره يستنبط آراءه وأفكاره من مدرسة أهل البيت عليهم السلام حسب ما ورد في دراسة للشيخ حيدر السهلاني بعنوان مشروعية البرلمانات في ظل الأنظمة السياسية المعاصرة : “وكان اتجاهين كموقف فقهي للعلماء اتجاه شكل الدولة وسلطتها على الفرد والمجتمع في عصر الغيبة:

الإتجاه الأول: عدم مشروعية إقامة الحكومة في عصر الغيبة، بمعنى أن أي دولة لا يمكن إعطاؤها صفة الشرعية من الفقيه، وأن الشارع المقدس أبقى الدولة منوطة بالإمام الغائب صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، ولهذا قال بعض علماء الإمامية بتحريم إقامة السلطة من قبل السلطان وبعدم مشروعيتها تحت عنوان أنها غصبية.

وسبب رؤية الفقهاء الإمامية في هذا الاتجاه بعدم التصدي هو رؤية دينية ( أن إقامة نص الحكومة الإسلامية هو حق خاص بالإمام المعصوم عليه السلام فلا ولاية للفقيه على الحكم ولا شورى للأمة. ولأن حقيقة السلطة قائمة على أساس العدل والمساواة، والمتصدون لها أمناء عليها بعدم التجاوز على تلك الحدود، فلا بد أن تتوافر في المتصدي العصمة (وأعلى وسيلة يمكننا تصورها في حفظ هذه الحقيقة -ـ السلطة ـ وأداء هذه الأمانة، الورع عن الارتكابات الشهوية، والاستئثارات الاستبدادية هي العصمة العاصمة .وبما أن هذه الملكة غير متوافرة في المتصدين فالنعت بالغصبية يصح بحقهم.

الإتجاه الثاني: مشروعية السلطة وإقامة الدولة في عصر الغيبة:

وهذا الاتجاه يؤمن بالنظريات التي تؤسس لشرعية الدولة في عصر الاجتهاد، ويجعل عدة نظريات أو أنظمة تجمع بين الاجتهاد والنظام النيابي، ويؤسس لعلاقة بين المجتهد والبرلمان، والفقهاء ينظرون لقيام تلك الدولة على أساس تنظيرين:

التنظير الأول: الدولة الدينية، وليس المراد منها الدولة الدينية التي تكون حكومتها الثيوقراطية ونظامها السياسي المستند على التفويض الإلهي الخارج عن إرادة البشر، حيث يختار الله الرؤساء مباشرة لحكم الشعب، وإنما المراد هو النظام السياسي الذي يكون على رأس سلطة الفقيه الجامع للشرائط، وأشهرها نظرية ولاية الفقيه وهي النظرية التي منحت الفقيه الجامع للشرائط الفتوى أن يكون نائبا من قبل الأئمة عليهم السلام في حال الغيبة ليس في الأمور الحسبية المقيدة، بل في جميع ما للنيابة من أمور.

التنظير الثاني: الدولة المدنية وللمرجيعة الدينية أيضا عدة نظريات عالجت فيها قضية السلطة في عصر الغيبة عندما لا يكون على رأسها الولي الفقيه، ولكنهم في نفس الوقت أمضوا عمل السلطات بما فيها السلطة التشريعية ( البرلمان) اعتبرت على ضوء قراءتها التاريخية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام وما صدر عنهم من روايات، أن قيام حكومة ودولة من مختصات الإمام الثاني عشر، وهو المعني فقط بقيامها وتحقيق العدالة والحكومة الإلهية في الأرض، و هي ليست من شأن الفقيه في عصر الغيبة،

ومنها نظرية الحكومة المشروطة بإذن الفقهاء والتي يعتبر العلامة محمد حسين النائيني مفكرها والمنظر لها في كتابه تنبيه الأمة وتنزيه الملة، والذي جمع فيه عشرات الأدلة على مشروعية الحكومة المشروطة ورد إشكالات المعارضين لها.

وتعتبر هي على أول نظرية واضحة في الفقه السياسي أسست لرؤية إسلامية فقهية حول مفهوم الدولة وأبعادها، و أحدثت انزياحا حقيقيا في المؤسسة الدينية و حركت المياه الراكدة في الفقه الشيعي وفتحت نوافذ قراءة جديدة لحركة الأئمة وأدوارهم وأهدافهم.

وهناك نظريات كثيرة حول مشروع الدولة في المؤسسة الدينية طرحت لكن هذه النظريات كانت لها الأثر في إحداث نقلة فقهية ومعرفية اختصرت الزمان معرفيا وعبرت بالمؤسسة لضفاف علمية أخرى في زمن قصير وفر جهدا وبحثا، وأثر في المسارات السياسية التاريخية وأحداثها.