إن الأساس في الهوية الجنسية للإنسان الذكورة والأنوثة في المنظور الفطري والعقلائي الذي أوضحناه هو البعد الجسدي المتمثل في الأعضاء الظاهرة المعروفة والأخرى الباطنة والتي كانت جملة منها معروفة في علم التشريح القديم، وقد زاد العلم الحديث من معرفة أبعاد جسدية أخرى للفرق، منها: في المكونات الجينية لخلايا الذكر والأنثى، ومنها: الفرق في الإفرازات الهرمونية من الغدد الخاصة فيهما المسماة بهرمون الذكورة والأنوثة.
فهذه الخصائص من جهة تشترك في تعلّقها بأصل الجنس الذي هو بعد خاص من أبعاد كيان الإنسان وله خصائص وظيفية مشتركة في أصولها.
ومن جهة أخرى فإنها تفترق في تفاصيل التمثلات الجسدية للجنس وفي الأدوار
الوظيفية الخاصة التي تؤديها. ويترتب على هذه الخصائص الأولية الفارقة بين الذكر والأنثى بحسب الرؤية الفطرية والعقلائية أمور مرتبطة بها أو متفرعة عليها، وهي على أنواع ثلاثة:
۱. فوارق جسدية أخرى تابعة لهذه الفروق الجنسية الجسدية مثل الفوارق التشريحية أو الوظيفية في الدماغ والعظام والعضلات ومناطق الشعر والأوتار الصوتية وغيرها، كما يفصل ذلك كله في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء. ولأجل هذه الفروق الجسدية والوظيفية الواسعة بين الجنسين يهتم في علوم الطب والصيدلة دائماً بمعرفة جنس المريض، وكونه ذكراً أو أنثى، كما هو ملحوظ للجميع في المراجعات الطبية، وذلك يجري في جميع فروع الطب تقريباً من الباطنية وطب الدماغ وطب الغدد الصماء وطب الصدر وطب العظام وغيرها، كما يهتم في مقام اختبار الأدوية غالباً اختبارها على كل من الجنسين ومعرفة مدى الاستجابة وعوارض الدواء لدى كل منهما.
2. فوارق نفسية، والأمور النفسية على قسمين: أمور مشتركة وفوارق مختصة. فالمشتركات النفسية الجنسية بين الرجل والمرأة هو أصل الرغبة الغريزية وكذلك الرغبة إلى تكوين الأسرة والاحتياج إلى العلاقة المنفتحة داخلها، وكذلك العلاقة إلى ما يترتب عليه من الإنجاب والتناسل، حيث يشعر الرجل بحب الأبوة وتشعر المرأة بحبّ الأمومة، وهو أقوى وأكد فيها.
ومن المشاعر الفطرية المشتركة في أصلها بين الجنسين هي رغبة كل من الجنسين في إظهار جنسه وتميزه عن الجنس الآخر، فيحب الذكر أن يظهر بما يبين أنه ذكر، كما تحب الأنثى أن تظهر بما يبين أنها أنثى، ولذلك كانت هناك عناية في جميع المجتمعات بمظاهر وسلوكيات فارقة بين الذكر والأنثى، وتنبع تلك المظاهر والسلوكيات عن عدة أمور من جملتها حب كل من الجنسين تميزه عن الآخر، ولذلك كان تشبه الرجل بالمرأة والعكس أمراً مستهجناً في العرف والدين جميعاً.
سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 1، ص42، 43
تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني