مستويات الاهتمام السلوكي والمعرفي اللائق بالأشياء
2023-02-28

قد عرفنا أن لزوم الاهتمام المعرفي بالأشياء يتفرع على لزوم الاهتمام السلوكي بها.

وعليه: فإن مستوى الاهتمام المعرفي اللازم يتفرع على مستوى الاهتمام السلوكي فيكون الأهم معرفةً متفرع عن الأهم سلوكاً.

والاهتمام السلوكي بالأشياء وفق المنظور الفطري يكون على مستويين:

1ـ مستوى إلزامي، وهو أن يقبّح العقل ترك الاهتمام بالشيء ويكون ذلك مذموماً لدى العقلاء، ومستوجباً للحظر القانوني الحكيم، ويختلف مستوى الإلزام طبعاً باختلاف الأشياء في أهميتها، فكلما كان الشيء أهم كان لزوم الاهتمام به آكد.

۲ ـ ومستوى غير إلزامي، وهو أن يرجح العقل الفطري الاهتمام بالشيء، ولكن لا يقبّح ترك الاهتمام به، فيكون الإنسان ممدوحاً عند العقلاء ببذل الاهتمام، ولكن لا يُذم في حال تركه لذلك، وهذا المستوى أيضاً بدوره درجات، لأنه يبدأ من فوق درجة الصفر في الترجيح - وهي مرحلة الحياد العقلي تجاه الاهتمام بالشيء وعدمه - وينتهي بأول درجة من المستوى الإلزامي للاهتمام.

 وهذا التصنيف لمستوى الاهتمام بديهي، فهناك أمور إذا لم نهتم بها في شأن أنفسنا أو غيرنا لأوجبت ملامةً وذماً، مثل عدم الاعتناء بالأمراض الخطيرة التي يمكن معالجتها في شروعها، أو عدم الاعتناء بإصابة الآخرين بأذى من جراء تصرفنا.

 كما أن هناك أموراً يحسن الاهتمام بها، ولكن لا ذم على تركها، مثل إهمال الإنسان لما يؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض البسيطة المؤذية من غير حكمة، أو عدم الإحسان إلى الآخر بإنفاق ومعونة ونحو ذلك مما لا يجب عقلاً.

ويهتم القانون - بمعناه المعاصر - بخصوص المستوى الإلزامي من الأمور والتي لا يصح إهمالها، ومن ثم لا يشتمل على مواد تتضمن الترجيح البحت.

 وأما الموقف الفطري والعرف الاجتماعي والتشريع الديني فهي تتناول كلاً من المستويين، فالضمير الإنساني مثلاً يستحسن بعض الأمور استحساناً لازماً ويستحسن بعضها الآخر استحساناً غير لازم، والآداب العرفية هي لدى العرف كذلك، فهي بين راجح ولازم، كما أن الأحكام في الشرع على نوعين: إلزامية كالوجوب والتحريم، وغير إلزامية كالاستحباب والكراهة.

 إذن ظهر أن للاهتمام السلوكي مستويان: لازم، وراجح، ولكل منهما بطبيعة الحال مراتب متعددة.

 ويتفرع على ذلك أن الاهتمام المعرفي للإنسان بالأشياء أيضاً يكون على مستويين: لازم، وراجح، ولكل منهما أيضاً مراتب عديدة.




أهمية البحث عن الدين (سلسلة محاضرات فكرية)، ص21-23

السيد محمد باقر السيستاني